قضايا وآراء

دور سورية

| تحسين الحلبي 

إن من ينظر نظرة عميقة لأوضاع عدد من الدول العربية سيجد أن الدول المجاورة لفلسطين المحتلة من سورية إلى مصر إلى الأردن إلى لبنان وكذلك العراق، احتلت خلال عقود طويلة الأولوية في جدول العمل الإسرائيلي الأميركي، ولم يكن من المستغرب أن يشهد هذا الجوار لفلسطين كل الاعتداءات الإسرائيلية منذ أكثر من ستين عاماً، ولو نجح العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر عام 1956 ولم تحبطه القاهرة لاختلفت كتابة تاريخ الشرق الأوسط، لأن إسرائيل وحلفاءها من فرنسا وبريطانيا في الخمسينيات والولايات المتحدة في الستينيات، أرادوا تدمير مصر ودورها القومي المناهض للاستعمار والمعادي لإسرائيل، وحين اندحر العدوان الثلاثي بدأنا نشهد وحدة مصر مع سورية عام 1958، وثورة ضد الحكم الملكي في العراق وثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي وثورة اليمن عام 1962 التي قدمت لها مصر عبد الناصر دعماً عسكرياً مباشراً أطاح بحكم الملك اليمني.
وكانت سورية تقف إلى جانب كل حركة تحرر وطني على غرار مصر عبد الناصر، ولذلك تحولت سورية إلى عنوان وقاعدة مناهضة الهيمنة الأميركية وقاعدة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بعد تغييب الرئيس محمد انور السادات عام 1979 لمصر عن دورها القومي وخصوصاً في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي.
منذ ذلك الوقت، لاحظت إسرائيل أن الدور السوري هو الذي يبدد المصالح التي أرادت تل أبيب تحقيقها في اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، ووادي عربة مع الأردن، وأوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية.
وأصبحت سورية قاعدة مواجهة مدعومة بقوة مقاومة أثبتت انتصاراتها على يد حزب الله شكلاً جديداً من توازن الردع مع إسرائيل وبقوة إقليمية هي الأكبر في المنطقة تشكلها إيران.
ولذلك يتساءل الكثيرون من المحللين الإستراتيجيين في إسرائيل عن مستقبل إسرائيل بعد صمود وانتصار سورية وحلفائها على المجموعات الإرهابية والداعمين لها؟
وينتقد بعض المحللين العسكريين في إسرائيل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لأنه تراجع عن المشاركة بالحرب على سورية بقوات إسرائيلية ورأوا أنه أضاع فرصة لأنه كان يعول على دور «الدول العربية المعتدلة» والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في إسقاط الحكم وتوزيع النفوذ والسيطرة على هذا التحالف الأميركي.
واتهمه آخرون من المتشددين أنصار إسرائيل الكبرى، بأنه لم يحسن الضغط على المملكة الأردنية للمشاركة المباشرة بالعمل العسكري ضد الجيش السوري، وأنه تردد حين ظهرت مثل هذه الفرصة قبل مشاركة سلاح الجو الروسي وقاعدته الجوية في شمال سورية، وكان أول الداعين للتدخل العسكري الإسرائيلي هو «معهد أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي « INSS» الذي حذر نتنياهو قبل عام 2015 من تضييع مثل هذه الفرصة بشكل علني، لكن نتنياهو أدرك أن الأصابع الإسرائيلية السرية التي تتدخل في الحرب على سورية طوال السنوات السبع، ربما تجعل دول النظام الرسمي العربي يقدم له سورية على «طبق من فضة» بفضل دعمهم غير المنقطع لكل المجموعات المسلحة ضد الجيش السوري وحلفائه، وربما حذره قادة الجيش الإسرائيلي من أن التدخل العسكري المباشر سيؤدي إلى توسيع ساحة الحرب على إسرائيل، لأن هذا التدخل المباشر سيستغرق زمناً يطول، وفي هذا الحال لا يضمن الجيش ألا تفتح ضده جبهة من حزب الله في جنوب لبنان وجبهة من قطاع غزة، وهذا يعني أن قدرة الردع التي شكلتها سورية وحلفاؤها هي التي منعت نتنياهو خصوصاً منذ عام 2011 حتى عام 2015 من هذا التدخل العسكري المباشر وربما كان ينتظر أن تقوم إدارة أوباما عام 2013 بالهجوم العسكري المباشر على قدرات سورية العسكرية وهو ما تراجع عنه أوباما في ذلك الوقت.
لاحظ المتابعون لوسائل الإعلام الإسرائيلية ومراكز الأبحاث أن التهديدات الإسرائيلية بدأت تزداد بشكل علني ضد سورية منذ الانتصار في تحرير حلب والموصل، وبدأ التحريض الإسرائيلي يزداد ضد إيران وحزب الله، ففي 12 آذار الماضي صدر عن قيادة الجيش الإسرائيلي تهديداً يعلن فيه أن إسرائيل سترد على أي هجوم سوري على حدود الجولان، أي إنها ستتخذ موقف الدفاع بلغة الدبلوماسية العسكرية، وهذه اللهجة لم تكن مألوفة في سنوات الحرب الأولى على سورية، ما يعني أن إسرائيل عادت إلى لغة ما قبل عام 2011، بل إن أحد القادة العسكريين كان قد حذر من أن لغة إسرائيل المستخدمة في تهديد من يهاجمها بتدمير بنيته التحتية، لم يعد ينفع ضد سورية لأن الحرب التي جرت فيها دمرت هذه البنية وهذا ما يبطل المفعول الإسرائيلي للردع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن