قضايا وآراء

ازدواجية واشنطن مع الإرهاب.. رهان أم إستراتيجية…؟!

عبد السلام حجاب : 

يتأكد بوضوح لأي مراقب. أن رهان واشنطن في عهد الرئيس أوباما على سياسة مزدوجة المعايير بين مساكنة الإرهاب في مكان، مثل أوكرانيا والعراق ومناطق أخرى عربية وغير عربية. والنوم معه في مكان آخر مثل سورية، يأتي في سياق إستراتيجية أميركية يشكل إنتاج الإرهاب والرهان عليه أحد الأدوات القذرة الأبرز لتحقيق أهداف إستراتيجية لا تقتصر على كسب معركة في ميدانها فحسب، بل تشمل الخطة العامة لكسب الحرب، وذلك بعد الاضطراب الخطر في المشهد السياسي الدولي الذي أسفرت عنه سياسات بوش الابن منذ إعلانه قانون «باتريوت أكت» في أعقاب أحداث 11 أيلول الملتبسة والمشبوهة. الذي استباح بموجبه المبادئ والمواثيق الدولية.
ولقد أكدت الوقائع والمعطيات التي تتدحرج في غير اتجاه أن أوباما لم يخرج عن إستراتيجية ذلك القانون سيئ الذكر، بل استخدام الإرهاب سيئ السمعة والصيت بعد إنتاجه وتصديره إلى مناطق عدة، شكلت سورية نقطة الاستهداف المركز بتغطية سياسية وإعلامية مزدوجة المعايير حتى إن ما جرى الترويج له من سوء تقدير وتخبط سياسي لم يشكل في لحظة خروجاً عن الاستراتيجية المعدة التي اعتراها فشل وإحباط في بلدان ما سمي بالربيع العربي الدامي. بقدر ما كان محاولة من أجل لملمة خيوط المؤامرة وتجميع أدواتها التنفيذية قبل انفلاتها غير المحمود أميركياً والذي يعود لسببين:
1- إن المنتج الأميركي من الإرهاب، ليس بصناعة مكفولة ضد التمدد والتمرد. بل تأكد أنه سرعان ما يلدغ صاحبه، وبات عبئاً مقلقاً بالنسبة للاستراتيجية الأميركية في المنطقة ولاسيما بعد أن اتسعت رقعة ارتداداته التدميرية لتصيب دولاً في أوروبا الحليفة وبعض مناطق النفوذ الأميركي من بلدان عربية وإقليمية وبروز حسابات خاصة بكل طرف من حلف أوباما الإرهابي.
2- إن نقاشات أعضاء الكونغرس الأميركي من ديمقراطيين وجمهوريين عكست دفاعاً انتخابياً لكل من موقعه، عن الاستراتيجية الأميركية وقد شكل المنتج الأميركي للإرهاب وأدواره المطلوبة مرحلياً ولاحقاً محور هذه النقاشات التي رسم خطوطها العريضة مقولة صهيونية حددتها «إيباك» وهي «نحن نفضل أن نكون أقوياء وعرضة للانتقاد، من أن نكون ضعفاء وغير محترفين»، الأمر الذي حذر من مخاطره الوزير الروسي لافروف مؤكداً «إن مكافحة داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية، يجب أن تتم من دون معايير مزدوجة»، كذلك أدان قادة دول «بريكس» كقوة ذات ثقل سياسي واقتصادي في المشهد الدولي الراهن أعمال العنف الوحشية التي يرتكبها داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية والعراق والمنطقة. وشددوا في بيانهم الختامي لاجتماعهم في أوفا الروسية على أن حل الأزمة في سورية سياسي وعلى ضرورة احترام خصوصية الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وعليه، يمكن القول إن الابتزاز السياسي بمساكنة الإرهاب أو محاولة فرض حلول سياسية بالنوم مع الإرهاب مهما تعددت أسماؤه وتنوعت أجنداته أصبحت محاولات طائشة وخطرة. ومصيرها الفشل وإن حققت بعض المكاسب الظرفية بفعل المعايير السياسية المزدوجة التي تسعى واشنطن من خلالها إلى خلق بؤر ساخنة لحروب بالوكالة تنفذها دول ضالعة بدعم الإرهاب وأجنداته التدميرية في سورية كفرنسا وبريطانيا وتحريك النازية الجديدة في أوكرانيا، أو التحريض المصلحي والمغامر الذي يقوم به السفاح أردوغان ضد الصين في محاولة لاستعادة هيبته السياسية بعد انتخابات السابع من حزيران، وما أكدته مواقف الشعب التركي ضد سياساته الإجرامية التي تحتضن وتدعم الإرهاب في سورية ميدانياً ولوجستياً، أو بتغذية العدوان السعودي على اليمن بتناغم علني مع الكيان الصهيوني.
ثم، إذا أخذنا بالاعتبار الدور الصهيوني الذي تقوم به واشنطن وحلفاؤها في مفاوضات الساعات الأخيرة بشأن الملف النووي الإيراني ومحاولة الابتزاز فيه ما أمكن قبل التوقيع المفترض على صيغته النهائية. فإن السؤال الذي يطرح نفسه من جديد، هل إن ازدواجية المعايير كسياسة تعتمدها واشنطن بتعاملها مع إرهاب داعش والنصرة ومشتقاتهما الإرهابية الأخرى، هي محض رهان في فراغ تقدم على تبنيه وحمل تبعاته القذرة والدامية، دولة عظمى مثل أميركا، أم إنه فعلاً أداة قذرة لتنفيذ إستراتيجية من ذات الطبيعة. وليس مفاجئاً أو غريباً أن تتناقض مع ما جرى الاتفاق عليه هاتفياً بين الرئيسين بوتين وأوباما، أو الاحتيال ومحاولة الابتزاز السياسي فيه، أفلا يشي هذا السلوك الأميركي المخادع، بأنه يعكس سياسة تسعى إلى تدمير سورية بغية إحداث خلل إستراتيجي في ميزان الصمود والقوة يفسح في المجال لابتلاع فلسطين لحساب الكيان الصهيوني وأجندته التلمودية، بالتعويل على الجهد الأميركي بما فيه الرهان على الإرهاب لسنوات قادمة كما يعلن أوباما.
ولعل احتمالاً غير مرجح، ومتناقض، أن يكون أوباما مضطراً للبحث عن مخارج في ضوء التغيرات السياسية والميدانية والاقتصادية التي يعيشها العالم واقعاً.
ولا شك أن بيان دمشق للمشاركين في يوم القدس العالمي أكد أن البوصلة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد هي فلسطين والجولان، وأن الحرب على الإرهاب ودحره والتصدي لمخططات منتجيه والمراهنين عليه، هو قرار استراتيجي، يضع مقدمات موضوعية لتحقيق النصر في السياسة والميدان، ولم يعد خافياً أن الفرق شاسع بين من يرسم استراتيجيات على الورق ومن يكتب بدماء الأبطال المفردات الوطنية لسورية المتجددة كما يريدها السوريون. وإذا كان المراهنون يعلقون رهاناتهم البائسة على المنتجات الإرهابية لمركزي موك في الأردن وموم في تركيا اللذين يديران الإرهاب على سورية فإن الوقائع تؤكد سقوط رهاناتهم ولن يحصدوا سوى الخيبة والهزيمة أمام عاصفة الإرادة الوطنية للسوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن