قضايا وآراء

تركيا و«منصة الرياض» أدوات للعرقلة

| عمار عبد الغني 

رغم جرعة التفاؤل التي قدمها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بإحاطته في ختام محادثات «جنيف7»، فإن ذلك لا يكفي للاعتقاد بأن الجولة حققت شيئاً ما، أو على الأقل أحرزت تقدماً لجهة وضع الأزمة على سكة الحل، في ضوء إصرار بعض «المعارضات» وخاصة «منصة الرياض» على التمسك بمطالب لم تعد على أجندة المحادثات، وتجاوزها معظم المحور المشارك في الحرب على سورية جراء المتغيرات التي حصلت على أرض الميدان ورجحت كفة الجيش العربي السوري وحلفائه على التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة بمختلف مسمياتها «المعتدلة» منها أو المدرجة على قائمة الإرهاب.
لمسنا بأن ثمة تبادلاً للأدوار يحصل في هذه المرحلة، ففي محادثات «أستانا 5» لعبت تركيا دور المعرقل لتوقيع أي اتفاق، أما في «جنيف7»، فكان الدور على «معارضة الرياض» التي عادت لترديد الأسطوانة القديمة ووضع الشروط المسبقة للتفاوض وترتيب مناقشات «السلل الأربع» بما يتناسب مع مصالحها وما أُملي عليها قبل مغادرة فنادق الرياض.
بعبارة أخرى، ترى بعض دول محور الحرب وخاصة الولايات المتحدة، أن الاتفاق على حل للأزمة في المدى المنظور بسلة واحدة، لن يكون في مصلحتها، لذلك نراها تمسك العصا من الوسط، بمعنى أنها تبقي قنوات التفاوض السياسي مفتوحة، وتحرص في الوقت ذاته على منع إيجاد مقاربات للحل الجاد والسريع، وإن حدث تقدم ما في المفاوضات الروسية الأميركية في عمان، فإنه ورغم الغموض المحيط بتفاصيله، إلا أن التصريحات التي تصدر بخصوصه من هنا وهناك تشير إلى أنه وفي جزء منه يأتي لمصلحة «إسرائيل».
في هذا الإطار، جاءت موافقة واشنطن على الإعلان عن الاتفاق مع موسكو على إنشاء «منطقة تخفيف التصعيد» في جنوبي غربي سورية، والذي عبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالقول: «نجحنا في إبعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل»، بما يوضح لنا المشهد أكثر حول إستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة، فهي تريد المقايضة، بمعنى أنها تريد مقابل أي تنازل تلبية مطلب يخدم مصالحها أو مصالح «إسرائيل» وغير ذلك، فهي تحرك أحد الأدوات للعرقلة ووضع العصي في العجلات، فتتقدم المحادثات بخطوات «سلحفاتية» وإن بقي الحال على ما هو عليه الآن، فربما نحتاج سنوات للوصول إلى نهاية حقيقية للحرب.
ما سبق يعني أن الاجتماعات خارج حدود الوطن، هي في واقع الأمر لصرف مقتضيات الميدان، حيث تسير المعادلة إلى أنه وبقدر ما تنجزه أطراف الصراع على الأرض تحصّل مقابله على طاولة التفاوض السياسي، فلا تقدم واشنطن تنازلاً أو تمرر اتفاقاً ما إلا عندما تتحقق بأنه لا يمكنها أن تحصل على أكثر من ذلك، بل إنها إذا انتظرت قليلاً فستحرق الورقة التي بيدها دون أي مقابل.
وإذا اعتبرنا بأن للولايات المتحدة مصالحها التي تعمل على تحقيقها، فبأي خانة يمكن وضع بعض «المعارضات» التي تدعي أنها تدافع عن الشعب السوري وتعمل على نقله من «الجحيم» إلى جنة عدن، وهي في واقع الحال مرهونة للخارج ولا تنبس ببنت شفة إلا بموافقته.
إن من يدع أنه يمثل البديل الأفضل فعليه أولاً أن ينزع ثوب الارتهان للخارج، فالأوطان لا تبنى إلا بجهود المخلصين والباحثين عن مصلحة شعبهم وليس أي شيء آخر، وهذا ما لم نلمسه من القاطنين في فنادق الرياض والدوحة وإسطنبول.
الحرب على سورية بدأت بالسلاح ولن تنتهي إلا بالقضاء على التنظيمات الإرهابية على يد قوات الجيش العربي السوري، وإعادة من حمل السلاح من السوريين إلى وضعه الطبيعي عن طريق المصالحات الوطنية، عندها سنجد أن بعض «المعارضات» قد اختفى صوتها وغادرت شاشات التلفزة.
وباختصار: لميدان القتال الكلمة الفصل، وهو من سيحدد ملامح واصطفافات عالم الغد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن