اقتصاد

دفاتر التجار و«بيدر» الحكومة

| المحرر الاقتصادي

ساد شبه اتفاق بين حضور ورشة عمل السياسة الضريبية على أن المهم ليس عقد ندوات وورش عمل، بل التعامل بحزم وجدية في ملف التهرب الضريبي وإيجاد قانون عادل يطبق بشفافية.
منطقياً تلك هي «زبدة» ملف الضرائب في سورية، لكن واقعياً، لا نعتقد بأن الحكومة قد تكون قادرة على قول الكلمة الفصل في هذا الملف، بسهولة، كما فعلت في ملف القروض المتعثرة، وقد تبدو جدّيتها إعلامية أكثر منها حالة تنفيذية، لأسباب عديدة؛ ففي ملف القروض المتعثرة، نتكلم عن أقل من 300 مليار ليرة سورية، موزعة على عدد قابل للحصر من المتعثرين، عن عمد، من كبار رجال الأعمال، الذين أغلبهم خارج البلد، مع بعض ممن يسّر لهم الأمور، ما يخفف حالة الحرج المتبادلة بين الحكومة ووسط الأعمال، على حين إن قائمة المتهربين ضريبياً طويلة، وإجمالي مبالغ التهرب قد تتجاوز إجمالي قيمة القروض المتعثرة بعشرات الأضعاف، ورجال الأعمال والتجار المتهربين ضريبياً في السوق «وسط البلد» مع من يسهّل لهم الأمور و«يمشيها»، ومن ثم حرج أكبر للحكومة ووسط الأعمال في حال تقرر حسم الملف وفضح المتهربين.
الموضوع لا يقتصر على شبكة ضيقة تدير استثمارات للحكومة عبر القطاع الخاص بأسعار بخسة، يمكن استردادها، مثلاً، بل منظومة عمل عمرها عشرات السنين، الأساس فيها «الحربقة» المتبادلة بين التجار والمعنيين في الشأن الضريبي، على حساب المال العام، و«الحربقة» هنا ميزة تعني «شطارة»، ومهارة، فبقدر ما يستطيع التاجر تخفيف المبلغ الواجب دفعه كضريبة، يكون أكثر «شطارة» من غيره في الوسط، وكذلك بقدر ما يتمكن الموظف والمسؤول من تمرير ملفات من هذا النوع، يكون أكثر شطارة من غيره.
وليس جديداً أن يحتفظ كل تاجر بثلاثة دفاتر محاسبة، واحد له يبقيه في المنزل، وآخر لشركائه، وثالث للمالية، وليس جديداً أن موظفين مسؤولين في الضرائب يصبحون أثرياء!
لا نريد أن نختزل إشكالية السياسة الضريبية في سورية بقضية موظف وتاجر، بل للإشارة إلى حجم التعقيد والحرج الذي يخفيه الملف.
أما إذا كانت الحكومة لا تلتفت إلى الحرج المتبادل بينها وبين وسط الأعمال، وبالفعل عازمة على قول الكلمة الفصل في ملف التهرب الضريبي، الذي من شأنه تأمين مصدر إيراد مهمّ جداً للموازنة، فيمكنها بدايةً تشكيل فريق عمل في المجلس الاستشاري، يتولى البحث في الموضوع، بإشراف الأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء، مع صلاحيات واسعة، بحيث تقوم بفتح دفاتر الجميع دون استثناءات، ويتم استخدام فرق تتبع للجنة تعمل على الأرض، تقوم بتدقيق عينات عشوائية للتكليف الضريبي، وتعاينها على الأرض، لملاحقة الخلل من جذوره، فتعمل باتجاهين، التدقيق في المالية ولدى التجار، ولتنشر النتائج مهما كانت، ويكون ذلك مع تشكيل فريق من اختصاصيين لإعادة النظر بالنظام الضريبي وتبسيطه وجعله أكثر عدالة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن