قضايا وآراء

معطيات جديدة في الصراع

| مازن بلال 

يتعامل الميدان السوري مع أي تفاهم دولي وفق مؤشر واحد مرتبط بتحويل الصراع باتجاه مختلف، فمنذ بداية الأزمة السورية كانت المواقف الأوروبية والأميركية تنعكس بشكل مباشر في تحديد أهداف سياسية متباينة، وكان من الواضح أن الأولويات تتغير ضمن علاقات يتم رسمها مسبقاً ثم ترجمتها بقفزات سريعة ابتداء من «التظاهر» وصولا إلى العمل العنفي الإرهابي، فالعناوين السياسية سواء في جنيف أو في أي مؤتمر آخر، كان غرضها فقط إعطاء شرعية للتحولات الحاصلة، وما حدث مؤخراً بعد القمة الأميركية الروسية هو تثبيت «فض الاشتباك» بين واشنطن وموسكو في شرقي المتوسط عموما؛ عبر إعطاء محاربة الإرهاب موقعا أساسيا بدلا من كونه شعارا سياسيا فقط.
عمليا فإن النتيجة الأساسية لهذا الأمر كانت في فقدان المجموعات المسلحة أي هدف سياسي أو عسكري، وهو ما تركها ضمن تناقضاتها الداخلية التي تُرجمت معارك مختلفة على الأخص في الشمال السوري، ولم يكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإيقاف مشروع دعم «المعارضة السورية» مفاجئا؛ لكنه في الوقت نفسه مربك للقوى السياسية الإقليمية التي كانت تعتبر هذا الدعم غطاء لكل أنواع التدخل التي تمارسها، فهو قرار ينطلق من أمرين:
– الأول هو التحول في أهداف التفاهمات الدولية بشأن سورية، فالواضح أن التسابق على النفوذ في شرقي المتوسط وسورية؛ لم يعد قائما على كسر الأنظمة السياسية بل على آليات مكافحة الإرهاب، وسيتيح هذا الأمر للرئيس الأميركي زيادة عديد قواته الموجودة في المنطقة من دون أي حرج دولي أو حتى ضمن نقاشات مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين.
ضمن مكافحة الإرهاب لن يضطر الرئيس الأميركي إلى الدخول في مواجهات مباشرة، ولا إلى تصعيد إقليمي يدفعه لحالة مشابهة لما حدث في أفغانستان أو العراق، فالمهمة تتطلب فقط دعم وحدات عسكرية محددة لما تقوم به من معارك ضد داعش، وبهذه الطريقة سقطت معظم المجموعات المسلحة المحسوبة على المعارضة السورية، وبقي فقط من هو على تماس مباشر مع داعش، وتحديدا «قوات سورية الديمقراطية»، فحتى فصائل الجنوب السورية مازالت على محك الاختبار، ومن غير المتوقع أن تتحول في توجهاتها لتصبح ضمن الدائرة نفسها التي تضم «قسد»، فأغراض هذه المجموعات باتت فقط في إيجاد أوراق سياسية للتفاوض بشأن الحل النهائي في سورية.
– الأمر الثاني هو إنهاء «التوكيل الإقليمي» الممنوح للسعودية وقطر بشأن الأزمة السورية، لأن هذا الأمر لم يضمن نفوذ الولايات المتحدة بل على العكس أتاح لإيران، وفق وجهة النظر الأميركية، تمددا أكبر باتجاه سواحل المتوسط.
يبدو أن الحد من «النفوذ الإيراني» أصبح مهمة خليجية ضمن إطار ضيق مرتبط بإنشاء جبهة في الخليج العربي، بينما يتحول في شرقي المتوسط إلى حالة جديدة كليا ويدخل ضمن الصراع الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا.
التفاهم الروسي الأميركي حول الصراع القائم في سورية ينحو نحو آلية جديدة، وربما سنشهد لاحقا وضعا مختلفا في الاشتباك الإقليمي تنهار فيه المجموعات المسلحة لمصلحة المواجهات الدولية، وتتغير في الأغراض باتجاه تحديد الدورين التركي والإيراني وتقليص نفوذهما في المنطقة، ورغم أن هذا الموضوع يبدو صعبا ومعقدا لكنه استحقاق أميركي بامتياز، وهو في الوقت نفسه ينقل صورة جديدة للصراع القائم من أجل تغير المعطيات السياسية للمنطقة كلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن