قضايا وآراء

رصاصة رحمة

| مازن جبور 

قرار الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بإنهاء برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» لتسليح «المعارضة» في سورية، يعتبر بمنزلة رصاصة رحمة أطلقها على ما يسمى «الجيش الحر»، وفي الوقت ذاته إعلان للقطيعة الكاملة مع سياسات الإدارة الأميركية السابقة، واعتراف بمحدودية نفوذ ورغبة أميركا في «تغيير النظام» في سورية، وهو شعار عدواني رفعته طويلاً.
يعكس القرار أولاً مصلحة واشنطن في محاولة إيجاد سبلٍ للعمل مع موسكو في الملف السوري، وثانياً يوضح معادلات الميدان السوري الجديدة، والنفوذ الجديد للقوى الضالعة في الأزمة السورية.
هذا البرنامج لتسليح «المعارضة» شكل عنصراً مركزيّاً لسياسة بدأت مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عام 2013 بهدف ممارسة الضغوط على الدولة السورية، وعلى الرغم من أنه لم يعد له جدوى بعد أن نشرت روسيا قواتها العسكرية في سورية إلا أنه استمر حتى قرار ترامب بإنهائه.
مسؤولون أميركيون، قالوا: إن ترامب اتخذ قرار إلغاء برنامج وكالة المخابرات المركزية قبل نحو شهر خلال اجتماع في المكتب البيضاوي مع مدير المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي ماكماستر، وذلك قبل لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 7 تموز في ألمانيا على هامش قمة مجموعة العشرين.
ويبدو أن القرار جزء من إستراتيجية إدارة ترامب للتركيز على التفاوض بشأن وقف إطلاق النار مع الروس، خصوصاً بعد التغير الحاصل في الميدان السوري لمصلحة دمشق وحلفائها، ويرتبط بجانب آخر بما تعرض له البرنامج الأميركي الذي أطلق منذ أربع سنوات بالتنسيق مع أنقرة وعمّان من انتكاسات، أدت إلى توقفه مراتٍ عدة سابقاً، تارة بسبب إخفاق الميليشيات في مجاراة تنظيمي جبهة النصرة وداعش الإرهابيين، وتارة أخرى بسبب وقوع كميات من إمدادات الأسلحة المقدمة لها بيد تنظيمات مسلحة تعتبرها واشنطن إرهابية.
كما أن برامج التدريب كلف خزينة وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أكثر من نصف مليار دولار لتدريب نحو 20 ألف عنصر فقط، انفصل معظمهم عن البرنامج وانضموا إلى داعش والنصرة، فوجد ترامب أنه من المفيد الظهور على المستوى الداخلي الأميركي بمظهر الحافظ للمال خاصة أن تلك الكلف قد تم دفعها على حساب دافعي الضرائب الأميركيين.
وكان برنامج المخابرات المركزية الأميركية، قد بدأ في 2013، في إطار جهود الرئيس السابق، أوباما، في ذلك الحين لـ«الإطاحة» بالرئيس بشار الأسد، إلا أن الخطوة الحالية تشكل تنازلاً لمصلحة سورية، وتتضمن إشارات إيجابية لموسكو، وربما تشكل بداية لسلسلة من الإجراءات التي تنسجم مع رؤية موسكو لإنهاء الأزمة السورية، بعد سنوات من الدعم الأميركي للميليشيات المسلحة.
كما يترك القرار مجموعة مؤشرات، أولها نسف كل القرارات المتعلقة بالملف السوري والصادرة عن الإدارة الأميركية السابقة، وفي الوقت ذاته يترك مدلولات عن طبيعة الولاءات والانتماءات الجديدة في ظل الوضع الميداني والسياسي الجديد للأطراف في الأزمة السورية، فهدنة الجنوب أخرجت جزءاً كبيراً من «معارضة واشنطن المعتدلة» من أجندات «الجيش الحر» الذي تم تقسيمه بين المالكين أميركا والأردن والسعودية في الجنوب وتركيا أخذت ميليشياته الشمالية والخليج المتصارع انفض بسبب انشغالاته بأزمة قطر عن ميليشيات وسط سورية فباتت ميليشيا «جيش الإسلام» السعودية تسعى لحل نفسها، وتجنب مصير ميليشيا «فيلق الرحمن» المدعومة من قطر، ومن هنا فإن إنهاء البرنامج يعني إعلان وفاة لـ«الجيش الحر» وما تطلق عليه واشنطن «الجماعات المسلحة المعتدلة».
كما يشير القرار إلى أن واشنطن باتت تعول على «قوات سورية الديمقراطية- قسد» ذات الأغلبية الكردية أكثر فأكثر، وربما ما كان يصرف على «المعارضة المعتدلة» سيصب في جيب «قسد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن