قضايا وآراء

سيف ماض يصعب التخلي عنه

| عبد المنعم علي عيسى

في خلال حفل العشاء الذي أقامه الرئيس اليوناني على شرف الرئيس الراحل حافظ الأسد في 26 أيار عام 1986، ألقى الأخير كلمة مهمة طالب فيها بوضع تعريف محدد للإرهاب يرسم الخطوط الفاصلة ما بينه وبين مقاومة الاحتلال التي تبيحها كل شرائع وقوانين البشر.
كانت تلك الدعوة تمثل نذيراً استباقياً يريد أن يسلط الضوء، على سيف ماض سيشكل السلاح الأجدى لواشنطن والذي ستستخدمه مراراً في الحالات التي يصعب فيها إيجاد الذرائع التي تشكل أعذاراً كافية للتدخل الأميركي في منطقة ما، أما المقصود بالذرائع هنا فهي لإقناع الشارع الأميركي فحسب لا الخارج أو القانون الدولي.
كان الرئيس الراحل يدرك من دون شك أن دعوته التي أطلقها لن تلقى آذاناً مصغية في الغرب أو لدى الأميركيين، إذ كيف يمكن لهؤلاء أن يقوموا بكسر سيف أثبت جدواه في العديد من المواقع وفي ظلاله كانت مهاجمة سورية في لبنان كانون الأول 1983 والعدوان على ليبيا 1986 ومن ثمة حصار نظام دانييل أورتيغا في نيغاراغوا والإطاحة به في كانون الأول 1989، وفيما بعد سيستخدم في مواجهة التمرد الفنزويلي والتحدي الإيراني في أعقاب إعلان طهران عن إعادة تخصيب اليورانيوم آب 2005 وكذلك مواجهة تهديد كوريا الديمقراطية الذي ما انفك يمثل العامل المنغص الأكبر منذ الإعلان عن انتهاء الحرب الباردة 1989 خصوصاً ما بعد شباط 2005 حيث ستعلن هذه الأخيرة نفسها دولة نووية، والسلسلة تطول وفي إحدى حلقاتها المهمة كان تدمير العمق العراقي الذي طالما ارتأت فيه تل أبيب خطراً يتهددها على الدوام، فكان استهداف العراق على مرحلتين 1991 و2003 في مؤشر يعني أن ثمة أموراً مطلوبة لم ينجزها نظام صدام ولابد من إفساح المجال أمامه لإنجازها حتى إذا ما فرغ من مهمته كان غزو العراق واحتلال عاصمته في نيسان 2003.
لم يكن ممكنا للدول التي يتهددها ذلك السيف أن تتخذ وضعية «مكتوف الأيدي» إزاء تلك التهديدات ولذا فقد عمل العديد منها على التعاطي معها على أنها تمثل معركة الاستقلال الثانية بعدما ثبت لديها أن معركة الاستقلال الأولى لم تنجح إلا في منحها رقماً تسلسلياً على لوائح الدول المنتمية إلى منظمة الأمم المتحدة.
دخل في العامين الماضيين استثمار ذلك السيف حيزاً جديداً لم يكن متوقعاً من ذي قبل، فالدول التي أشهر بوجهها كانت تعتبر بكل المقاييس من «عظام الرقبة» الأميركية كما يقال، أو هي تعتبر من النسيج الطري الذي يعيش عليه الكثير من الشركات الغربية والأميركية الطفيلية، بل إنه وفي أحايين عدة كان يمثل رافعة للبنتاغون نفسه عندما يعاني أزمة تمويل وهو كثيراً ما يعانيها، فقد ارتفع «سيف الإرهاب» في مواجهة الرياض علنيا بعد إقرار قانون جاستا أيلول 2016، لمحاسبة الدول الراعية للإرهاب ومن ثم ارتفع في مواجهة الدوحة بدءاً من النصف الثاني لأيار المنصرم.
ماذا يعني هذا؟ الذي يعنيه هو أن سقف المحرمات الأميركية قد تقلص بدرجة كبيرة ما اقتضى «تحليل» الكثير مما كان محرماً في السابق ولا علاقة إطلاقاً لسلوك هؤلاء الذين أشهر بوجههم السيف في الدفع نحو القيام بذلك الفعل، فقد أعلن وزير الخارجية القطري السابق حمد بن خليفة في لقاء أجرته معه «الفايننشال تايمز» البريطانية ونشرته في 20 نيسان 2016 أن دول الخليج كانت تنفذ على الدوام مطالب وإملاءات الأميركيين دونما اعتبار لمصالحها هي، إن تقلص هذا السقف يعني أن خطر «الجوع» الأميركي قد استشرى أو هو بات يمثل هاجساً لدى الكثير من «الدينموات» المحركة للاقتصاد الأميركي، فالأمر هنا مثله مثل المحرمات الإنسانية التي ترتبط مساحاتها بالمراحل التي تمر بها، فكلما كان توافر المؤن والغذاء جيداً كانت مساحات التحريم أكبر والعكس صحيح، بمعنى أنه كلما كان وضع هذه الأخيرة سيئاً أضحت مساحات التحريم أقل لتنعدم في كثير من الحالات، ولا يبدو أن واشنطن سيطول بها الوقت لبلوغ هذه المرحلة الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن