ثقافة وفن

الرأي الآخر

د. اسكندر لوقا : 

 

من البديهي أن يكون لكل إنسان رأي يتبناه ويدافع عنه في سياق أي نقاش يدور بينه وبين الآخر حول مسألة ما. وليس شرطاً أن يكون صاحب الرأي موضوعياً في الحكم على هذه المسألة أو تلك، كما ليس شرطاً أن يكون مثقفاً وليس إنساناً عادياً، ذلك لأن لكل إنسان الحق بأن يكون له رأي يبديه عند اللزوم ومن دون تحفظ ما دام يعتقد أنه على صواب.
في هذا السياق من المنتظر بل من الطبيعي أن تتفق أو لا تتفق وجهات النظر بين المتحاورين حول مسألة بحد ذاتها وذلك بسبب من اختلاف الأمزجة أو الثقافة أو العمر أو التجربة وسوى ذلك من أسباب تبرر الاختلاف في الرأي. وقد يكون الرأي موضوعياً، ومع ذلك أحياناً كثيرة يحدث الخلاف وينتهي عند نقطة اللاعودة.
في كل الأحوال، ثمة العديد من الأمثلة التي تؤكد أهمية تصادم الآراء بعضها مع بعض لأن مصادرها ليست على نحو الصورة عن طبق الأصل، ولأن لكل صاحب رأي الحق في أن يبديه مع الاحتفاظ، في الوقت نفسه، بحق الدفاع عنه وبالتالي عدم تخليه عن معتقده في هذا الشأن. وهناك أمثلة في تاريخ البشرية، حققت مثل هذه المعادلة، معادلة الرأي والرأي الآخر، حققت العديد من المكتسبات لمصلحة البشرية جمعاء. ومن دون هذا التضاد في إبداء الرأي ما كان ممكناً ربما تحقيق العديد من الإنجازات التي تعيش البشرية في الوقت الحالي على أرضية معطياتها وتتمكن من التنعم بهذه المعطيات.
وبطبيعية الحال، من المفيد أيضاً التذكير بأن إبداء الرأي لمجرد إبدائه يبعدنا عن الحل المرتقب لأي من القضايا التي تطرح على بساط النقاش لأنها لابد أن تشكل عائقاً أمام الوصول إلى الحل المنشود من جراء تبادل الرأي حول القضية. ومن هنا الإشارة إلى تعنت أصحاب الرأي المغلف بالشمع أو النشاء وصولاً إلى نقطة اللاعودة كما أشرت.
الرأي الآخر، مسألة في غاية الأهمية، لأنه يساعد على إجلاء أبعاد قضية ربما كانت غير واضحة في نظر من يعنيه الأمر، وبالتالي يفسح الدرب أمام المستمع إليه وصولاً إلى نقطة اللقاء لا إلى نقطة اللاعودة، كما عودتنا الأيام ترقب ما سوف ينتج عما نسميه حوار الطرشان.
إن سورية خبرت مثل هذه الشباك التي نصبت للإيقاع بها منذ بدايات القرن الماضي، ودائماً كانت ضحية الغدر خلف لبوس الوعد بقبول الرأي الآخر سواء في العهد العثماني أو في العهد الفيصلي أو في عهد الانتداب، حتى جاء زمن رأي سورية اليوم التي لا تعرف المساومة ولا التراجع ولا القبول بالرأي الآخر المشبوه المتخفي وراء الكلام المخملي. ودائماً كانت تخاطب الآخرين وخصوصاً الغشاشين والمرائين منهم بلسان الشاعر والكاتب الفرنسي جاك بريفير (1900-1977) الذي قال لمحدثه إن كل الآراء محترمة. حسناً. أنت من يقول ذلك وقد استمعت إليك. أنا أقول العكس، إنه رأيي احترمه إذاً.
في الزمن الراهن يعتقد ملاك المال والنفط والدعم اللامحدود من أعداء سورية، يعتقدون أن رأيهم فقط هو الرأي الصواب ويرفضون أن يستمعوا إلى الرأي الآخر ولهذا هم يواصلون السير على درب المؤامرة المعدة، منذ سنوات، للنيل من سورية وشعبها وجيشها ولكن عبثاً، عبثاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن