ثقافة وفن

الرائدة السورية المربية فتحية طرابلسي…رحلة الحياة ملأى بالعمل لتوطيد أسس التربية والتعليم في الوطن

 د. عزة آقبيق : 

عاصرت تطور التعليم، تعلمت الأبجدية وهي في سن الخامسة، كان لها حضورها بين جيل عميق الثقافة، وبثقة تامة، بدأت مشوار حياتها، بعزم وجد، لتكون من الأوائل.
إنها المربية الفاضلة السيدة فتحية طرابلسي. أبصرت النور في قلب دمشق عام ١٩٣٢م، أتمت تعليمها الأولي في مدرسة الحي، وفي سن السابعة التحقت بالمدارس الحكومية، لتنهي المرحلة الابتدائية في الصف الخامس بتقدير جيد جداً، لتقول: كانت العلوم صعبة، في تلك الفترة فمواد الصف الخامس حينها تعادل الثانوية اليوم، لقد حفظنا في السنة الخامسة الابتدائية، ألفية ابن مالك، وكانت مدرستنا سعاد نصري رحمها اللـه قد حرصت، على التيقن من حفظنا لقواعد وعلوم اللغة.

بعد أن أنهت دراستها بتفوق، كان لابد لها من العودة إلى البيت، لتكون ربة منزل، أو متعلمة لفنون الخياطة، وعليه آثرت تعلم الخياطة، ولحسن الحظ غادرت مدرسة الخياطة الحي، فعادت هي بدورها إلى المنزل.
كان طموحها كبيراً، لا حدود له، وبنقاش رقيق مع أخيها الدكتور عزة طرابلسي، رجل الاقتصاد السوري المرموق، الذي استطاع إقناع والدهما بحتمية مواصلة الدراسة، وكانت الفرحة غامرة بموافقته.
تقول: التحقت بتجهيز البنات، وكانت المدرسة الوحيدة في دمشق للتعليم الثانوي للإناث، بقسميها الأول لقاطني دمشق، والثاني داخلي لوافداتها من ريف دمشق والمحافظات. أما بالنسبة للبنين فكان. لهم مبنى خاص بهم على نفس النسق.
تقدمت عام ١٩٤٢م، مع زميلات لي لنيل الشهادة المتوسطة، لنكون طلاب الدفعة الأولى في تقديم هذا النظام الجديد، لأتقدم زميلاتي في هذه المرحلة الجديدة والصعبة، ولأنتقل إلى المرحلة الثانوية، وكان نظام التعليم يفرض اجتياز امتحانين للحصول على هذه الشهادة، لتقول: أنهيت المرحلتين، الأولى والثانية بتفوق عام ١٩٤٥م.
لنكون وزملائي آخر دفعة تقدمت لنظام البكالوريا، حيث بدأ العمل بنظام الشهادة الثانوية الموحد بعد نجاحنا مباشرة، ونظراً لتفوقي أوفدت لمصر، للدراسة في قسم رياض الأطفال، لكونه فرعاً جديداً على التعليم، لأعود إلى دمشق، التي افتتحت جامعتها للمرة الأولى كليتي الآداب وعلوم اللغة العربية، والعلوم الفلسفية، عام ١٩٤٧م، بعد اقتصارها على مدرستي الطب والحقوق.
وبنفس الوقت تم افتتاح قسم للرياضيات والعلوم الطبيعية بمجالاتها المختلفة. إضافة إلى افتتاح معهد التعليم العالي، حيث يتيح لمنتسبيه التعليم في المدارس الثانوية بعد التخرج.
ناداني درب العلم، وأنا المحبة للتعلم، فالتحقت بكلية الآداب، قسم الفلسفة، وقبلت في معهد التعليم العالي، لأكون بعد أربع سنوات ضمن خريجي الدفعة الأولى للجامعة السورية، قسم الفلسفة، والمعهد العالي، لأهلية التعليم، وكانت فرحتي غامرة، ونظراً لكفاءتي، عينت بعد التخرج مباشرة، في دار معلمات حلب، الذي استحدث في عام ١٩٥١م، لأكون ضمن كادر التدريس فيه حتى عام ١٩٥٣م، عدت بعدها إلى دمشق، لأبدأ منها رحلتي في مجال التربية والتعليم، عملت بين عامي ١٩٥٣-١٩٥٤م، في دار معلمات دمشق، ورقيت عام ١٩٥٥م، لأصبح معاون مدير، ورئيس الدروس المسلكية، لأصبح مديرة لدار المعلمات عام ١٩٥٩م، أحببت عملي وأجدت فيه، وخلال الفترة السابقة، كنت أنظر بفخر إلى تخرج أجيال متدربة متقنة لمهمة التربية والتعليم، ونظراً لكفاءتي أوفدت عام ١٩٦٣م، إلى منظمة اليونسكو، في بيروت، لحضور دورة تدريبية في التنمية والإدارة التربوية ١٩٦٣-١٩٦٤م، لأنهيها بتفوق، وأعود إلى دمشق، وهناك بدأت من دار المعلمات التي آلت إلى ملاك وزارة التربية، فدخلت مجال التعليم، بمخزون كبير من المعارف والخبرة.
نقل في هذه الفترة كادر دار المعلمات إلى منطقة القصور، ليسمى مدرسة دار المعلمات، واستحدث في عامي ١٩٦٤-١٩٦٥م، معهد التربية الاجتماعية، فانتدبت محاضرة فيه لتدريس مادة علم الاجتماع، تقدمت صيف١٩٦٥م، بطلب لمنظمة اليونسكو الدولية، وبعد دخولي مسابقة التوظيف، حصلت على العمل في جمهورية الكونغو، وقمت بتدريس مادة علم النفس، وخلال فترة إقامتي بين عامي ١٩٦٦-١٩٧٤م، اطلعت على ثقافة البلد الذي عشت فيه، وحرصت على أن أكون وجهاً مشرقاً لوطني، من خلال مشاركتي في المناسبات الوطنية مع الجالية السورية هناك.
بعد عودتي، عدت إلى سلك التدريس، فشغلت رئاسة الدروس المسلكية، في دار المعلمين المختلط، وبقيت في منصبي حتى سن التقاعد.
بهذه السطور اختزلت المربية الفاضلة فتحية الطرابلسي، رحلة حياة ملأى بالعمل، من أجل توطيد وتثبيت أسس التربية والتعليم في الوطن الذي وثق بقدراتها، فعملت من أجل رفعته بكامل طاقتها، وما زالت بيننا مثل حي، لتمثل جيل دمشق الذهبي، الذي أخذ من الوطن القليل، وأعطاه الكثير. بل أعطاه العمر كله، من خلال منجزات، سيذكره الوطن بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن