ثقافة وفن

أبا ثائر.. وقد ناءت الأيام

| إسماعيل مروة

به أناديك يا صديقي ويناديك الأصدقاء وقد أحببت النداء.. ولا يزال النداء الأثير لديك
به أسترحمك لاستمطار الرحمات على روحه الطاهرة، مع غصة تعترض صوتك كلما ذكر الحبيب
منه ومن كل من ضحى لوطنه نطلب الرحمة
نذكره مع الزمن، ونعرف أنه بفضلهم بقينا..
أبا ثائر الجميل
صديقنا المحب على الدوام
الفرح المحب للحياة
المنتمي المحب لوطنه وأرضه
حرقة أب ودّع ابناً أحبه وخاف عليه.. وحذّره دوماً من المجازفة، لكنه أعطاه حب الوطن مع التربية
لوعة أب وهو يرى أجزاء ابنه تلفّ حوله.. ولا تغيب مع تعاقب الزمن ودوران الأيام
حرقة ولوعة.. وقدر لا يرحم الآباء.. لكنه يجعلهم منارات للزمن
ولا يستثني فلذات الأكباد
ولا يعترف بالأعمار
آه يا أبا ثائر كم كنت فخوراً بما صنع الأبناء
كنت قد تركته لقدره واختياره
هو الذي اختار الإعلام
ناقشته ولكنه لم يقتنع إلا بأن يكون ميدانياً، وكنت تباهي به دوماً.. وها أنت تباهي الزمن به
دعوتَ له كثيراً
لكنك دفعته أكثر
زرعت فيه حب رسالة لم تكن لولاك
إنها حياتنا.. إنه بلدنا
نحن نحثّ الخطا إلى خط النهاية.. وندفع أحبابنا إلى خط النهاية
خط انتصار سورية العظيمة
ولن تنتصر بغير دمنا
نقرر نهاياتنا بإرادتنا
بعزمنا
هذا ما أراده ثائر
وهذا ما قاله لكنك لم تشأ أن ترفض
لم تشأ أن تغير قراره
لم تملك القدرة على منعه من الافتداء
من الشهادة
ودمعة أم تترقرق
وحرقة قلب يعجز عن التنهّد
السيدة التي وهبت روحها للوطن..
السيدة هدى الحمصي.. لم تشأ أن يرتجف صوتها مع دمعها
قد لا يعلم الكون مقدار فجيعتك
أنت الأم
وما من أم تحلّ محل الأم
أحببته ليس كما يحببن.. بل كانت نظراتك إليه تعلّق الفقد المرتقب
لم تقابليه بعبارات الحب العادية
كنت فخورة به على الدوام.. وها أنت تفخرين اليوم
وسيبقى محط افتخارك
كنت تبتعدين عن تفصيل عمله.. وها أنت تبتعدين عن كلمات رثاء
في ذلك اليوم أحسست أنه بدأ يخرج لينزرع .. لينزرع شهيداً ورمزاً
يخرج من حب الخوف.. لينزرع في إيمان التراب والتجذر
لينزرع في الروح.. في الروح منك.. وفي الروح لوطن
في الوجدان.. ليعطر الوجدان
وها هو اليوم ينشر عطر دمه في سمائنا
ليكون أبهى وأجمل
وليغدو ما أراده أب وأم
لا عزاء للشهيد
ليس لاستشهاده وحسب
وليس من قبيل الافتخار بشهادته
بل لأنني أزعم أن عمق الحب أعمق من جبّ يوسف
وأبعد غوراً من جوف الحوت
وأعلم أن فراق الأم لأحشائها مرّ.. وغياب الابن عن عين أب لوعة
يتجاوز بمرارته كل ما يمكن أن يخطر ببال المواسي
إنه البنوة ذاتها
ازرعيه حيث شئت.. وازرعه أنت في المؤق والكلمة
ضعي ثائر في مكانه الذي يستحق
في الميدان ذهب
وفي الميدان زرع دمه
فكل الميادين لك
وكل ذرة تراب غمرها لك فيها عرق آس
لا يفرح الوطن بفقد أبنائه..
لا تسعد الأم بغياب كيانها..
رحل ثائر.. وهل أنسى الطيف الذي التقيته؟ لا يزال طيفه قادماً في الأروقة
متحدثاً بإيمان عن النصر.. مندفعاً إلى غايته دون إبطاء
رحل ثائر تاركاً لوعة كبيرة
أكبر اللوعة وأعمقها في روح أم وأب
لكما أوجه صمتي.. وبكما يكبر الشهيد
حين عجزت الكلمة عن القول
وحين ضاقت مسافة التعبير عن الوصول
الأيام تعجز
السنوات تنوء
إنه ميراث الدم الطهور
ميراث البطولة والافتداء
وصولاً إلى خلود سورية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن