شؤون محلية

في القضاء (3)

| بقلم- نبيل الملاح

أتابع في هذا المقال الحديث عن الشق الأهم في العمل القضائي؛ ألا وهو «الشق البشري» المتمثل بشكلٍ أساسي في القاضي والصفات الواجبة في شخص القاضي وشخصيته ومؤهلاته وسلوكه.
بدايةً علينا أن نقر بأن مسؤولية معالجة الخلل الحاصل في مؤسسة القضاء وتطوير العمل القضائي، وإن كانت تقع بالدرجة الأولى على عاتق مجلس القضاء الأعلى، إلا أنها تقع أيضاً على عاتق القضاة أفراداً وهيئات، ومن دون تفاعلهم مع الخطط والبرامج التي يضعها مجلس القضاء الأعلى؛ لن يكتب لهذه الخطط والبرامج النجاح وستستغرق عملية الإصلاح والتطوير وقتاً طويلاً.. إن القضاة بشر والبشر خطاؤون، وهم ليسوا من جنس الملائكة والقديسين، لكن بالتأكيد يجب أن يكونوا من أفاضل البشر وأخيارهم، وأن يرتقوا بأنفسهم إلى أعلى درجة في المجتمع، ليكونوا القدوة والمثل الذي يجعلهم محل ثقة وتقدير واحترام المجتمع، ويضعهم في المكانة التي تعليهم وتعطيهم الحصانة الأهم من الحصانة التي أعطاها لهم الدستور، ويضم القضاء في سورية كثيراً من هؤلاء.
وهذا ما يتطلب العناية الفائقة باختيار القضاة وانتقائهم وفق معايير وأسس محددة لقياس علمهم وثقافتهم ومؤهلاتهم الأخرى وسيرتهم الاجتماعية، ثم تأهيلهم بخبرات عملية أثناء دراستهم في المعهد القضائي، والتركيز على تنمية الحس الأخلاقي لديهم واحترام الآخرين والتواضع والموضوعية والابتعاد عن المزاجية والنزعة السلطوية.
وفي هذا السياق أعتقد أن تجربة اختيار قضاة من المحامين الممارسين، كانت ناجحة إلى حدٍ كبير، فالمحامي لديه من العلم والخبرة والتجربة ما يؤهله لأن يكون قاضياً وينخرط بالعمل القضائي مباشرةً وبصورة أفضل من خريج كلية الحقوق الذي يتم اختياره ليكون قاضياً. وقد يكون من الأفضل حصر اختيار القضاة من المحامين أو من خريجي الحقوق الذين مارسوا العمل القانوني في إحدى مؤسسات الدولة.
وعلينا أن نقر بوجود خلل في انتقاء القضاة خلال العقود الماضية، ساهم إلى حدٍ كبير في الخلل الحاصل في عمل القضاء؛ حيث إن عدداً كبيراً من هؤلاء يعتقدون أن القضاة سلطة مطلقة لهم وأن لا سلطان عليهم؛ مما جعلهم يصدرون أحكاماً لا تحقق العدل والإنصاف؛ ويضطر أصحاب الحقوق إلى استئنافها ونقضها؛ وهذا يزيد حجم عمل السلطة القضائية ويربكها..، ويضيع الحقوق بمرور الزمن.
وهذا يدعو مجلس القضاء الأعلى إلى إيجاد الصيغة العملية والفعالة لتقييم أداء القضاة القائمين على رأس عملهم، وقد يكون من المفيد ضمن واقع القضاء الحالي الاستعانة بالقضاة المحالين على التقاعد والمشهود لهم بالعلم والخبرة والنزاهة ولديهم القدرة على العمل النوعي –وليس الدوام- ليقوموا بتقييم عمل وأداء القضاة من خلال دراسة الأحكام التي تصدر عن المحاكم وفق خطة يضعها مجلس القضاء الأعلى، وكذلك يمكن الاستعانة بهم في عمل إدارة التفتيش القضائي ريثما يتم تأمين الكادر اللازم لها.
أعتقد أن هذا هو الحال الوحيد المتاح لوقف تراجع عمل السلطة القضائية، في ظل الواقع الحالي الذي تعاني فيه مؤسسة القضاء من نقصٍ وخلل في الكادر البشري، ولا ضير في تعديل قانون السلطة القضائية إذا لزم الأمر.
إن ما نلمسه ونشاهده ونسمعه من أطراف العمل القضائي، وما نقرؤه على مواقع التواصل الاجتماعي، يدعو إلى القلق، وضرورة الإسراع في وضع القرارات التي اتخذت في الاجتماع الذي عقده السيد وزير العدل مع مجلس القضاء الأعلى ومعاونيه ومديري الإدارات في الوزارة؛ موضع التنفيذ الفعلي والعملي.
إن ارتكاب القاضي لخطأ مهني جسيم أكثر من مرة؛ يدعو إلى التساؤل عن مدى صلاحيته ليكون قاضياً؟ وكذلك التقيد بالشكليات على حساب الموضوع والحق، وإطالة أمد الدعوى بإجراءاتٍ لا مبرر لها، وتفسير النصوص القانونية خلافاً لقصد وغاية المشرع.
والخطر أن تقوم بعض هيئات وغرف محكمة النقض بإصدار قراراتٍ لا تنسجم مع القانون نصاً وروحاً، وتؤدي إلى إعاقة تنفيذ أحكام قضائية مكتسبة الدرجة القطعية دون وجود أسبابٍ جدية موضوعية…
إن إرساء قواعد العدل وصيانة حقوق المواطنين وتحقيق شعار «نحو قضاء عادل وسريع» يتطلب الإسراع بالإصلاح الإداري في مؤسسة القضاء وتطبيق مبدأ «الثواب والعقاب» والموضوعية في المحاسبة والتقييم، والتأكيد على القضاة بذلك والابتعاد عن المزاجية التي لا يجوز أن تغلب في عمل القاضي، وأن يكون سلطانه القانون والحق والعدل.
لا بد لنا جميعاً من إيلاء القضاء الأهمية التي يستحقها، ليكون ملاذنا الآمن، والرافعة لجميع مؤسسات الدولة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن