قضايا وآراء

حل الملفات

| مازن جبور 

منذ بدء الأزمة في سورية وحتى هذا التاريخ، لم تستطع أطرافها من الوصول إلى حل لها، بل بقيت تدور في حلقة مفرغة، أسبابها غير مفسرة، إلا بالأمل في الحصول على مكاسب غير مغطاة سياسياً ولا عسكرياً ولا شعبياً، حيث انتقلت دوائر الأزمة من الإطار المحلي إلى الإقليمي ومن ثم الدولي، وحالياً هناك الكثير من المعطيات تؤكد العودة إلى أقلمة الحل عبر ربطه بملفين رئيسيين هما الملف الكردي والإسرائيلي.
التطورات المتسارعة المحيطة بالملف السوري، تشير إلى أن الأزمة السورية باتت موضوعة في إحدى كفتي ميزان، يقابلها في الكفة الأخرى الملفان الكردي والإسرائيلي، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق التوازن في الميزان، عبر مؤثرات داخلية وخارجية في كل من الملفات الثلاثة «الأزمة السورية، الكرد، أمن إسرائيل».
تمثل هدنة جنوب سورية التي جرت باتفاق أميركي روسي أردني، رغبة أميركية محضة في ضمان أمن كيان الاحتلال، وهو ما ظهر في التسريبات حول الاتفاق الذي يقضي بانسحاب القوات الإيرانية وقوات المقاومة اللبنانية الحليفة للجيش العربي السوري إلى عمق 30 كم عن الجزء المحتل من الجولان العربي السوري، الأمر الذي سارعت إيران للاعتراض عليه وأبدت انزعاجها منه عبر الكثير من التصريحات ومن أعلى المستويات.
طهران وعلى وجه السرعة أرسلت مبعوثها إلى سورية، نائب وزير الخارجية حسين جابري الأنصاري، الذي نقل الامتعاض الإيراني من الاتفاق، وعلى ما يبدو جاء الرد سريعاً عبر إطلاق معركة القلمون الغربي لطرد تنظيمي جبهة النصرة وداعش الإرهابيين من هناك، فيما يمكن اعتباره تحقيقا للتوازن الإقليمي في الحل، بعد أن حصلت «إسرائيل» على طمأنة أميركية أخرى يرتبط بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية السورية، التي تم إتلافها بعد دخول سورية في معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى سعي كيان الاحتلال ومنذ اليوم الأول للأزمة إلى توظيف الميليشيات المسلحة بهدف القيام بعملية تدمير ممنهج لمنظومات الدفاع الجوي السورية.
على مستوى الملف الثاني، تبرز قضية أكراد سورية وما يحيط بها من إشكاليات أولاها الرفض السوري بشكل تام لأي شكل من أشكال إقامة كيانات دولتية على الأرض السورية، والإصرار على وحدة وسلامة واستقلال الأراضي السورية، وكذلك القلق التركي كطرف إقليمي ضالع في الأزمة السورية من وجود كيان كردي أيضاً على حدوده الجنوبية لما تمثله القضية الكردية من منبع للأزمات والصراعات الداخلية في تركيا، إلا أن واشنطن تسعى لحلحلة هذا الملف عبر إخراج السعودية وقطر خارج ملف الأزمة السورية بشكل تدريجي، وتقليل ضلوعهما في الميدان، وهو ما يظهر جلياً من تطورات غوطة دمشق الشرقية، في وقت تهرول فيه قطر لتسليم أوراق اعتمادها بالانصياع الكامل للرؤية الروسية للحل، عبر سفيرها في موسكو الذي أكد استعداد بلاده حتى لاستقبال جولات المحادثات السورية السورية، كما أن سيطرة جبهة النصرة على كامل مدينة إدلب وعدم التدخل من قبل تركيا أو «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، رأى فيه مراقبون توجهاً أميركياً نحو تحويل إدلب إلى موصل ثانية، وبالتالي إعطاء دور كبير لتركيا في هذه المعركة مقابل غض الطرف عن الملف الكردي.
مما سبق حول ملفي «إسرائيل» والأكراد، وبالنظر إلى الواقع في الميدان السوري، الذي بات حرباً محضة على الإرهاب المتمثل دولياً بتنظيمي داعش و«النصرة» والذي يقترب من نهايته، وبالتوازي مع طمأنات واشنطن لحليفتها «إسرائيل» بالنسبة لجنوب سورية، يبقى ملف الكرد ذو البعد التركي الملف العالق الوحيد الذي ستسعى واشنطن إلى إيجاد صيغة مناسبة له، بما يؤمن توازن الملفات الثلاثة، ويؤمن إيجاد حل شامل للأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن