ثقافة وفن

كتابة الأغنية باللهجة السورية .. كتّاب الأغنية السورية أبدعوا باللهجة المحلية وطوّعوا الفصحى وأجادوا

| أحمد محمد السّح

يقول الملحن اللبناني إلياس الرحباني: إن شقيقيه عاصي ومنصور الرحباني حينما انطلقا بمشروع الأغنية اللبنانية عملا على خلقِ لهجةٍ لبنانية كتبا بها أغنياتهم ومسرحياتهم، فخلقا لهجة لبنانية مختلفة عن المنطوق في مختلف المدن والقرى واللبنانية، هي اللهجة التي نعرفها اليوم باللهجة اللبنانية والتي استقاها الشارع اللبناني، وكذلك ينطبق الأمر على السينما المصرية، ومشروعها في الأغاني التي تنوعت مع أحمد رامي وتدرجت وتنامت مع المجتمع إلى اليوم الحالي، أما اللهجة السورية فهي التي تم نخبها واختراعها في الدراما السورية حيث تم خلق لهجة تشبه لهجة العاصمة المحدثة، فاللهجة التي نسمعها عبر المسلسلات ووسائل الإعلام ليست اللهجة الدمشقية، فاللهجة الدمشقية قليلة جداً اليوم، وهي متنوعة حسب المناطق الشامية.

لكن الذي نفتقده دائماً هو الأغنية السورية المكتوبة باللهجة السورية البيضاء التي لا يمكن لمستمعها إلا أن يتلقى رقتها ورنين مفرداتها، لكن هذا المشروع لم ينجح حتى الآن على الرغم من المحاولات الجديدة القديمة التي عمل عليها عدد من الشباب السوريين منذ رغبتهم بالتعبير عن أصواتهم بلهجتهم بدل الاتجاه إلى الكتابة بلغة السوق، من ينسى نموذج أغنية «شو بيصعب عليي» التي غنتها مها الجابري وكتب كلماتها الشاعر نظمي عبد العزيز الذي كان له أسبقية في كتابة اللهجة السورية مع أبناء جيله وقد حاول عدد من الشعراء السوريين أن يكون لهم باعٌ في هذا الإنجاز ومنهم الشاعر الراحل عيسى أيوب الذي استطاع ربما الوصول بكلماته البسيطة إلى أبواب الأغنية فغنى له كبار المطربين أمثال وديع الصافي وصباح وإيلي شويري معتمدين على كلماته السورية البسيطة البعيدة عن تكلفة خلق الصورة وتعقيدها إنما اعتمد على صياغة الجملة الحياتية بصورة بسيطة منغّمة ومنحها الدفق العاطفي الذي يجعلها تصل للقلب قط ومن أبرز ما يمكن ذكره له وينطبق عليه هذا الوصف الأغنية العظيمة «يا دنيا» التي غناها وديع الصافي ولحنها الموسيقار الراحل مؤخراً سهيل عرفة، ولكن لعل من أبرز الشعراء وصولاً إلى أجيال مختلفة من المغنين والمطربين هو الشاعر صفوح شغالة الذي امتاز بقدرته على دمج كلمات من لهجات متنوعة في جملته الغنائية وربما طوع بعض الكلمات الفصيحة في نفس الجملة واعتمد على تنافر الألفاظ لخلق الجملة الجذابة وهو ما اشتغل عليه في أكثر مما أذكر منه «تشكرات أفندم» مع المطربة الجزائرية فلة، ولكن شغالة نفسه اختبر الكتابة بلهجات غير سورية فهو الذي كتب «طبيب جراح» لجورج وسوف باللهجة المصرية، وهي الحالة التي مارسها عدد من الشعراء السوريين بأن انتحلوا صفة الكتابة بلهجات أخرى تستطيع الوصول إلى سوق الأغنية، ولربما اعتمد بعضهم على الكتابة بلهجة لبنانية ربما لتقارب اللهجتين وبكثير من الأحوال بسبب ثقافتهم السمعية للهجة اللبنانية في الشعر المحكي أكثر منه في اللهجة السورية، ويستطيع المرء الاتكاء على تجربة سمير طحان الصافية وتعاونه مع الملحن سمير كويفاتي في أكثر من تجربة عبر صوت الفنانة السورية الرائعة ميادة بسيليس التي يذكر لها صفاء ما تقدّمه في الأغنية السورية ودعمها الحقيقي لهذه اللهجة رغم صعوبة التحديات التي تقف أمام انتشارها، أما عن الكتابة والطباعة للأعمال الشعرية المحكية فثمة تجارب متعددة لكن هذه التجارب تبلغ أوجها من حيث العدد مع الراحل عمر الفرا ولهجته المحببة، أما اليوم فنجد أسماء متعددة تكتب وتنشر باللهجة السورية وتطرق أبواب النجوم لتقديم أغنية سورية صافية لكن قلة قليلة منها تستطيع الوصول، ولعل من أشهر الأسماء السورية بالكتابة المحكية نذكر الشاعر الدكتور إياد قحوش الذي طبع مجموعته «مملكة الشتي» في العام الماضي وسبقها بمحموعته «كرم السما» التي أقتطع منها:
«يا بْلاد/ كيف الدُّوَل بتْصير/ مرّه/ كأنْها تاء مرْبُوطه/ ومرّه/ جمع تكْسير/ مرّات/ مِنْ كثْر الحزِن/ عم حسّ/ اللـه متِل تمثال/ والأنبيا أشباح/ ومرّات/ لمّا بصلّي للحجَر برْتاح/ معقول تتركْنا دشِر يا كْبير!/ معقول/ ما نْسيتْ قصّة سجرة التفّاح».
ولدينا تجربة صدرت كألبوم غنائي في العام الماضي كانت تحوي نصوصاً للشاعر عدنان أزروني، الذي قدم مع أبناء جيله نموذجاً لأغنية سورية عاطفية ملأى بالإحساس والإنسانية في زمن بات الكثير من الشباب لا يميزون تفاصيل لكنتهم السورية بل يتعمدون تطعيمها ببعض الوقفات اللبنانية عسى أن تجد طريقها إلى سوق الأغنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن