قضايا وآراء

روسيا وسورية.. ثبات المواقف وصوابية الرؤية؟

صياح عزام : 

شكك الكثيرون وما زالوا في العلاقة الروسية- السورية المتينة، وذلك في محاولات يائسة للنيل منها، ومتناسين أنها علاقة وطيدة وثابتة وواضحة المعالم، وقائمة على إدراك التهديدات التي تمارس ضد البلدين لزعزعة هذه العلاقة الارتباطية بينهما، وأثر ذلك في استقرار المنطقة والعالم في حال تخلت روسيا عن دعم سورية والسماح لأميركا وحلف الأطلسي وشركائهم في المنطقة بإسقاطها لحساب قوى الإرهاب والداعمين له، أو في حال تغير مواقف الدولة السورية وتبديل اصطفافها السياسي، وأثر ذلك من مختلف الجوانب ومن الناحية الجيوسياسية والذي سيُحسن وسيزيد من أسهم الحلف الغربي في مواجهة النفوذ الروسي في المنطقة.
وقد جاءت زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم إلى روسيا الاتحادية مؤخراً ولقاؤه المسؤولين الروس وعلى رأسهم الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وما صدر عنها، تؤكد مضمون هذه العلاقة الاستراتيجية التي يتعذر على أي طرف- مهما كان قوياً- أن يؤثر فيها أو يحرفها عن بوصلتها، ولا سيما من حيث توقيت هذه الزيارة، ذلك أن المنطقة تعيش في هذه الأيام مرحلة خطرة وعلى درجة بالغة من الدقة وحبس الأنفاس، في ضوء المباحثات الجارية بين إيران والدول 5+1 في جنيف بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي بين الطرفين، لأن إنجاز مثل هذا الاتفاق ستكون له انعكاسات إيجابية وستعقبه انفراجات مهمة في عدد من ملفات المنطقة الساخنة وفي مقدمتها ملف الأزمة السورية وغيرها من الملفات الأخرى. أما إذا نجحت القوى المعارضة لإبرامه والتي تعمل على مدار الساعة لتعطيل الوصول إليه وفي مقدمتها قوى اليمين المحافظة في أميركا (أي المحافظون الجدد)، وإسرائيل والسعودية وغيرهما من دول المنطقة، فإن الإخفاق في هذا الأمر ستكون له انعكاسات سلبية خطرة على المنطقة بالدرجة الأولى وعلى العالم أجمع حيث ستزداد البؤر المتوترة توتراً ملحوظاً، وقد تنشب نزاعات بينية جديدة في المنطقة ما يعقد مشاكلها ويدخلها في أتون حروب ونزاعات جديدة وهذا ما تخطط له الدوائر الغربية وإسرائيل بالدرجة الأولى وما يدل على ذلك، أن المجموعات الإرهابية المسلحة وخاصة منها العاملة في سورية، عملت على تصعيد أعمالها العسكرية الميدانية بشكل لافتٍ بتخطيط وتوجيه من غرف العمليات في شمال سورية وجنوبها، أي على الحدود السورية- التركية، والحدود السورية- الأردنية بهدف تحقيق مكاسب على الأرض تكون مادة للمساومة في أي مفاوضات مقبلة، إلا أن الجيش السوري استطاع التصدي بقوة لهذا التصعيد وإحباط أهدافه في ظل مساندة المواطنين السوريين له والذين فوّتوا على المجموعات الإرهابية ومن يقف خلفها تسليحاً وتمويلاً، فرصة تحويل المشهد في سورية من حرب إرهاب خارجية كونية عليها تستهدف الدولة والشعب والجيش معاً، إلى مشهد اقتتال طائفي داخلي بين مكونات الشعب السوري، الأمر الذي يكون مُبّرراً للتدخل الخارجي في سورية… هذا هو بيت القصيد جرّاء التصعيد الإرهابي الأخير الذي تم على أكثر من جبهة من جبهات القتال في الشمال والجنوب السوري لقد حاولت السعودية كثيراً شراء الموقف الروسي من سورية عن طريق صفقاتٍ مالية فلكيّة، حيث تغير روسيا موقفها مما يجري في سورية من أحداث وتدير ظهرها لها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وأخفقت كل محاولات الإغراء التي قدّمها المسؤولون السعوديون، عندما أعلنت روسيا على الملأ بأنها لن تتخلّى عن دعم سورية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بما يعزّز مقومات صمودها أمام هذه الحرب المفتوحة التي تُشَنُّ ضد الشعب السوري والدولة السورية منذ أكثر من أربع سنوات، وبما يُسقط في الوقت نفسه كل الرهانات الدولية والإقليمية لإحراج روسيا وتحجيم دورها في المحافل الدولية، هذا الدور المتوازن والمرحب به عالمياً بعد أن عانى العالم ولاسيما دوله الصغيرة سياسة القطب الأميركي الأوحد على مدى أعوام طويلة.
هذا إلى جانب أن الإرهاب الذي رعته أميركا وحلفاؤها في أوروبا والمنطقة أخذ يتمدّد بسرعة ويضرب حتى الدول التي أوجدت تنظيماته ودعمتها مثل (داعش والنصرة) وأخواتهما، ليتحول إلى ثعبان شرس يرمي سمومه في أحضانهم.
هذا ولا شك في أن الطرح الروسي لتشكيل تحالف إقليمي لمكافحة الإرهاب يُشكل رسالة لبعض دول المنطقة الداعمة للإرهاب لتصحيح علاقاتها مع سورية ووقف دعمها للمجموعات الإرهابية المسلحة بكل أنواعها وتسمياتها من جهة، وإعلاناً بفشل التحالف الستيني الذي أنشأته واشنطن لتحقيق مصالحها تحت شعار محاربة الإرهاب من جهة أخرى.
وبالتالي فإن روسيا بقيادة الرئيس (بوتين) سيكون لها الدور الأكبر في معالجة ملفات المنطقة وغيرها وخاصة الأزمة السورية بمواقف وإرادة حقيقية وليس بكلام سياسي أميركي وغربي عن حل سياسي يناقضه سلوك غير أخلاقي عبر الدعم للإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن