ثقافة وفن

الصداقة الحقيقية إلى أين؟ في ظل سيادة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي

| هبة الله الغلاييني

في دراسة حديثة قامت بها شركة ipsos لإحصاءات عن المكانة التي يحتلها فيسبوك في حياة العرب، كشفت أنه يوفر مجالاً لحياة افتراضية كاملة بموازاة حياتنا الطبيعية، وغالباً ما يكون ملاذاً لكثيرين ممن يجيدون تكوين صداقات حقيقية لتكوين صداقات افتراضية. هذا الطرح يأتي في وقت يتساءل فيه البعض ما إذا كانت الصداقة الحقيقية يمكن أن تتحقق عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، وهل في الإمكان أن تتجاوز علاقة الصداقة عوائق البعد الجغرافي ومعطيات العالم الافتراضي؟ وهل من الممكن أن تصل إلى مرتبة الصداقة الحقيقية، أم إنها تبقى في نطاق التعارف بقصد التسلية والدردشة وقضاء الوقت؟ ولعل السؤال الذي يلخص ذلك كله هو: عند محاولة وضع كلتا العلاقتين في ميزان الصداقة أيهما سترجح كفته.. كفة الصداقة الحقيقية أم كفة الصداقة الافتراضية؟

تقول مديحة الأطرش (ربة بيت): «بالنسبة إلي فإن الصداقة الحقيقية تأثرت في زمن الإنترنت وأصبحت شيئاً من الماضي في حياتي وتضيف: «أنا خسرت صديقة عمري بسبب موقف معين»، لافتة إلى أن خسارتي لصديقتي الحقيقية كانت صعبة على نفسي، لذا لجأت إلى أصدقاء جدد أتواصل معهم عبر شبكات التواصل من دون معرفة سابقة، وقد أصبحوا قريبين إلى قلبي وعقلي، فأنا أستدعيهم في أي وقت بضغطة زر لنتناقش في موضوعات عامة لا تخرج عن إطار الدردشة العادية والفضفضة في الطبخ والتجميل وتبادل المعلومات، لكنهم نجحوا في تعويضي عن الصداقة الحقيقية، وخاصة بعد أن تزوجت وانشغلت برعاية زوجي وتربية أبنائي فلم أعد أشعر بالوحدة ولا بالضيق.. بدوره يؤكد أحمد الحاج أحمد وهو موظف أنه لا يحتاج إلى صديق حقيقي، لأنه يتواصل مع أصدقاء من جميع الأجناس على صفحات فيسبوك ويتابع قائلاً: إن هذه العلاقات الإلكترونية يمكن أن تتطور بمرور الوقت وتتحول إلى صداقة متينة وأكثر جدوى من صداقة يبحث عنها الإنسان وجهاً لوجه. ويكمل قائلاً: إن أصدقاء الإنترنت يقومون بالدور نفسه الذي يقوم به الأصدقاء الحقيقيون، ذلك أنهم يقدمون لي المساعدة والاستشارة وما علي سوى أن أطرح المشكلة على فيسبوك لتوافيني الحلول والخبرات والاقتراحات في غضون أقل من دقيقة، لهذا لم أعد منشغلاً في البحث عن صديق حقيقي.
وتوافق نور الملقي (طالبة) على ما ورد في الرأيين السابقين حيث تقول: «إن أهمية الصداقة الحقيقية تراجعت في زمن الإنترنت، وأصبحنا لا نحتاج إلى صديق بالمعنى التقليدي للكلمة، بعد هذا التغيير التكنولوجي الكبير الذي طرأ على حياتنا» وتفسر نور رأيها بالإشارة إلى «أن الحاجة إلى هذا النوع من الأصدقاء، تراجعت في ظل دخول أشخاص افتراضيين إلى شبكات التواصل الاجتماعي كما لديهم الاستعداد للقيام بالدور ذاته الذي يقوم به الأصدقاء الحقيقيون بما في ذلك الاستماع والمشاركة والدعم وإسداء النصح».
أما ياسمين العمر وهي أيضاً طالبة فتؤكد أن من الصعب أن تستبدل صداقاتها الحقيقية بصداقة الإنترنت. وتقول: «الصداقة الحقيقية تدوم طويلاً لأنها مبنية على عشرة يتقاسمها شخصان وذكريات تجمعهما، سواء أكان على مقاعد الدراسة أم في العمل أو في الجيرة، وتتبلور بينهما قواسم مشتركة في الميول والأفكار والاهتمامات، وهذا ما يضفي على علاقة الصداقة قيمتها الحقيقية التي تجعل من الصعب التخلي عنها».
وتضيف ياسمين: إن صديقتي هي الإنسان الوحيدة التي أثق فيها وأفتح لها قلبي، وتعرف عني كل شيء وتقدم لي المساعدة بلا مقابل ومن منطق عقلاني بحت، ترى ياسمين أن صداقة الإنترنت وقتية لا تدوم، ومن عدم الحكمة جعل أصدقاء الإنترنت موضع ثقة، لأنهم أناس مجهولون بالنسبة إلينا لا نعرفهم على وجه اليقين. وبالتالي، يصعب الجزم بسلامة نياتهم وأهدافهم.
من ناحيتها ترى إلهام الشيخ، موظفة: إن الصديق هو الإنسان الذي تستطيع أن تجده حاضراً إلى جوارك ليقاسمك أفراحك وأتراحك وهذا أمر عصيب يصعب تصوره مع الأصدقاء الافتراضيين. لذا فهي ترى أن الأشخاص الذين يتواصلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي هم معارف مؤقتون يظهرون ويختفون. لذلك من الصعب اعتبارهم أصدقاء بالمعنى الحقيقي للكلمة. لكن إلهام لا تنفي دور شبكات التواصل الاجتماعي في تدعيم العلاقات الصادقة القائمة بالفعل بين الأصدقاء، وتقول موضحة: أنا عندي صديقتان حقيقيتان تجمعني معهما اهتمامات وميول واحدة منذ أيام الدراسة، وقد أسهم الإنترنت في تدعيم هذه العلاقة، حيث يبقينا على التواصل الدائم معاً مهما باعدت بيننا الأيام أو سافرت إحدانا إلى بلد آخر أو تزوجت، حيث يظل التواصل مستمراً في زمن أصبح من النادر فيه أن تجد الإنسان صديقاً حقيقياً يصدقه القول والرأي.
من جهتها: ترى أسماء الملقي أن الصداقة الحقيقية أصبحت في خطر في ظل هذا الانفتاح على الصداقات الإلكترونية، لكنها تستدرك قائلة: إن علاقتي بأصدقائي لم تتأثر بسبب معارف الإنترنت الذين لا يشكلون إلي سوى معارف أو أصدقاء مجهولة على الإنترنت لا أعرف ملامحها إلا من خلال صورة وهمية، ووجودها على صفحات الإنترنت لا يتعدى مجرد رقم من بين مئات الأرقام التي تتواصل مع بعضها بعضاً بغرض التسلية وكسر الملل.
وتوضح الدكتورة إيمان حجازي، استشارية إرشاد نفسي: إن الصداقة الحقيقية تتميز بالدوام النسبي في استمرارية العلاقة، وتعتمد على التقارب العمري والفكري والروحي، فضلاً عن تقارب الخصائص والميول والاهتمامات والسمات الشخصية والظروف الاجتماعية بين الأطراف.
وتتابع مؤكدة «أن بعض الدراسات توصلت إلى أن الصداقة لها تأثير مباشر في الصحة النفسية والجسدية للإنسان، فقد وجد أن نسبة الوفيات ترتفع بين الأشخاص الذين لا يسعون إلى تكوين صداقات أو الذين لديهم عدد محدود من الأصدقاء، حيث إنهم أكثر عرضة لأمراض القلب والسرطان والتوتر النفسي». وتقر الدكتورة أمل بأن «الثورة التكنولوجية ودخول الإنترنت حياتنا، خلقت نوعاً جديداً من الصداقات وأساليب التواصل مع أعداد كبيرة من الأشخاص على صفحات «فيسبوك» أو «تويتر» وعلى الرغم من ذلك لا يمكن أن نطلق على هؤلاء الأشخاص سوى معارف لأنهم ليسوا أصدقاء حقيقيين»، موضحة «أن الدردشة عبر فيسبوك وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، تحددها أطر معينة على قدر المعلومات المتاحة للطرف الآخر، ليستفيد منها أو أن يشارك في الرأي في موضوع معين، ولكن في غياب عنصري المعرفة الوثيقة والثقة المتبادلة، فإن مثل هؤلاء الأشخاص يمكن أن يصبحوا مصدر خطر في حال القيام بالبوح بأسراره، من باب الفضفضة، فيقومون باستغلالها في التهديد والابتزاز».
إن الفجوة الاجتماعية التي حدثت بين الناس، والتباعد الناجم عن الانشغال بأمور الحياة، جعلا كثيراً من الناس يلجؤون إلى الصديق الإلكتروني الذي يصعب الجزم بشأن حقيقة هويته ودوافعه وغاياته من وراء تلك العلاقة أو الدردشة وفي بعض الحالات، ربما يصل الأمر إلى حد التعود على هؤلاء المعارف الافتراضيين، ليعيش الإنسان معهم في عالم غير واقعي منفصلاً عن المحيط الاجتماعي والنفسي الذي يرتبط به، وكثيراً ما تكون نهاية هذه الصداقة الفشل، لأنها تفتقر لكثير من مقومات الصداقة الناجحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن