قضايا وآراء

الجولان.. «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها»

| نعيم إبراهيم 

أعلن السفير الصهيوني لدى روسيا غاري كورين أن كيانه لا يعتزم إعادة الجولان إلى سورية، وقال في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» الثلاثاء 1 آب إن «الجولان تعتبر وفقا للقانون الإسرائيلي جزءا ذا سيادة من إسرائيل»، مشدداً على أنه «من الساذج التفكير بأنه يجب مواصلة مناقشة هذه القضية»، وأشاد بفشل المفاوضات السابقة بهذا الخصوص بين كيانه وسورية.
هذه ليست المرة الأولى التي نسمع فيها مثل هذا الموقف الصهيوني ولن تكون الأخيرة ما دام استمر الاحتلال الصهيوني للجولان ولغيره من الأراضي العربية.
على سبيل المثال لا الحصر، قال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو خلال اجتماع لمجلس وزرائه لأول مرة في الجولان بتاريخ 16 نيسان من العام الماضي: «لن تنسحب إسرائيل أبدًا من كل الأراضي التي احتلتها من سورية أثناء حرب الأيام الستة عام 1967».
وأضاف نتنياهو: «لقد قررت عقد هذا الاجتماع الخاص للحكومة في هضبة الجولان لأرسل رسالة واضحة، وهي أن الجولان سيظل في أيدي إسرائيل للأبد (…) وتحدثت مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقلت له إنني أشك تمامًا بعودة سورية كما كانت، فهناك أقليات كثيرة تصارع من أجل حصولها على الأمن فقط كالمسيحيين والأكراد والدروز، ولذا فقد حان الوقت ليعترف المجتمع الدولي بحقيقتين، أولهما أن الحدود لن تتغير، وثانيهما أن الجولان ستظل تحت سيادة إسرائيل للأبد بعد خمسين عاماً من خضوعها لإسرائيل».
دراسات كثيرة صدرت تؤكد أن الاحتلال الصهيوني يستغل خصوبة الأراضي التي يحتلها من الجولان والممتدة على نحو 1100 كلم مربع ووفرة مياهها لزراعة كروم التفاح والكرز والعنب، وغيرها من المزروعات التي تدر أرباحاً على خزينتها.
واقع يحاول العدو الصهيوني فرضه منذ عدة عقود بالقوة والإرهاب لمصلحته متوهما اليوم بأن سورية تفككت تماما نتيجة ما تتعرض له من حرب كونية، ولهذا يوسع مختلف ممارساته الإحلالية، من سياحة وزراعة ومشاريع اقتصادية، وعمل في السنوات الأخيرة على توسيع دائرة عمليات التنقيب عن النفط والتي قد تضيف إلى ثروة هذا الكيان من الغاز الموجود في شرق المتوسط، لتعزز من وضعه كلاعب مهم في مجال الطاقة بالمنطقة.
في شهر تشرين الأول من العام الماضي، نشرت مجلة «الإيكونوميست» مقالًا بعنوان «ذهب أسود تحت الجولان» تحدثت فيه عن أنشطة التنقيب عن النفط الجارية من جانب شركات «إسرائيلية» وأميركية في المنطقة، ويُعتقَد الآن وجود ثروة نفطية فيها قد يصل الاحتياطي بها لمليارات من براميل النفط، كما صرح الجيولوجي الرئيسي لشركة جيني أويل الأميركية يوفال بارتوف الناشطة في الجولان، والتي يملكها يهودي أميركي ويضم مجلس إدارتها نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني وعملاق الإعلام روبرت مردوخ.
«لقد وجدنا طبقة نفط يبلغ سُمكها 350 متراً في جنوب الجولان، وهو ما يشي بكميات كبيرة لأن متوسط سُمك طبقات النفط عالميًا هو 20 أو 30 متراً، ما يعني أن اكتشافنا يبلغ عشرة أضعاف المتوسط العالمي»، هكذا صرح بارتوف، والذي تتمتع شركته الآن بسيطرة صهيونية فعلية.
يضاف إلى ذلك أولا، تشجيع سلطات الاحتلال لما تسميه السياحة الداخلية أولاً، ما يخلق ترابطاً بين بقية الصهاينة ومنطقة الجولان المملوءة بالمناطق الطبيعية الفريدة وربما يدفع من يستطيع منهم إلى تملك الأراضي والمنازل فيها، وثانياً عبر المستوطنات بطبيعة الحال لخلق شريحة استيطانية صهيونية دائمة في الجولان، وثالثاً باستغلال إمكانيات الجولان الزراعية عبر خطة لتأسيس 750 منطقة زراعية باستثمار يبلغ 100 مليون دولار، وتعزيز البنية التحتية وإزالة جميع الألغام هناك على مدار السنوات الأربع المقبلة، وأخيراً عبر بناء الحدائق والمتاحف والمراكز الدينية، إضافة لبناء عشر طواحين هواء لإنتاج الطاقة.
كما تستغل سلطات الاحتلال التضاريس المرتفعة للجولان لتطوير المرافق السياحية وبناء القواعد العسكرية، وخاصة في جبل الشيخ الذي يكتسي بالثلوج كل شتاء، كل ذلك يترافق مع استكمال الاحتلال بناء جدار أمني على طول الحدود الفلسطينية السورية.
ويساوي عدد المستوطنين بالجولان المحتل اليوم عدد سكانه الأصليين، أي 22 ألف نسمة هم المقيمين في مجدل شمس وبقعاتا وعين قنية ومسعدة والغجر.
راهنا يتوهم البعض من عرب وعجم أن الأوضاع الداخلية في سورية اليوم أبعدت إمكانية تحرير الأرض المغتصبة في الجولان وجعلته خارج الاهتمام العربي والدولي ما أتاح للعدو الصهيوني فرصة ذهبية لمزيد من التوسع في الجولان، غير أن السوريين في الجولان وعموم البلاد لم يستسلموا للأمر الواقع ومتمسكون برؤيتهم بأن محافظتهم سورية.
كما أكدت وزارة الخارجية والمغتربين رفضها القاطع لقيام الاحتلال الصهيوني بإجراء انتخابات لما تسمى «المجالس المحلية» عام 2018 بقرى الجولان، مشددة على أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية.
وقالت الوزارة في رسالتين موجهتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن: «لم تكتف إسرائيل بدعمها الفاضح والمعلن للمجموعات الإرهابية المسلحة، خلافا لكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة في سورية، بل عمدت مؤخراً إلى إصدار قرارات جديدة تتعلق بنية تل أبيب إجراء انتخابات لما تسمى المجالس المحلية في قرى الجولان السوري المحتل وفق القانون الإسرائيلي».
يذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 497، الذي اعتمد بالإجماع في عام 1981، اعتبر قرار الحكومة الصهيونية بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في الجولان السوري المحتل ملغيا وباطلا.
كما أعلن مجلس الأمن في القرار ذاته أن جميع أحكام اتفاقية جنيف عام 1949، والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، ما زالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من العدو الصهيوني، منذ حزيران 1967.
إن ممارسات الاحتلال الصهيوني في الجولان السوري تمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الإنساني الدولي ولاتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين.
ولكل الذين وقعوا أسرى الوهم نعيد التأكيد أن الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وأنه سيعود إلى الوطن الأم عاجلا أو آجلا، وربما تشير المعطيات والوقائع الراهنة إلى أن هذه العودة باتت قريبة لأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن