قضايا وآراء

سورية والحرب الناعمة القادمة: أدوات المواجهة

| بسام أبو عبد الله 

من يعتقد أن انتهاء الحرب العدوانية الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية بشكلها العسكري يعني نقطة وآخر السطر، ههو واهم وذو أفق ضيق، فقوى الهيمنة العالمية لا تتخلى عن أهدافها، وإنما تغير أدواتها مناوراتها تكتيكاتها للوصول إلى هذه الأهداف.
يشي المشهد السوري أن الأداة العسكرية الإرهابية في طريقها للانتهاء بعد انكشاف وجهها القبيح الإجرامي، وعدم القدرة على التغطية، والاستمرار في التضليل لفترة أطول، ولكن ذلك يجب ألا يخدعنا أبداً من أن الأعداء سيعلنون إفلاسهم، وانتصارنا فذلك أيضاً وهم يجب ألا نقع به.
الحرب التي تعرضت لها سورية بالتأكيد ليست حرباً عسكرية فقط، وإنما استخدمت فيها الحرب الناعمة بشكل كبير جداً، ويطلق عليها الخبراء الحرب الذكية، أي التي جمعت بين العسكرية والناعمة، وهي من أعقد أنواع الحروب في أدواتها، وفي طرق مواجهتها ولذلك فإن انتصار سورية بالتأكيد سيكون تاريخياً مفصلياً، وله تداعياته الكبيرة على الصعيد المحلي، والإقليمي والدولي ولكن الاعتقاد السائد لدينا أن أعداءنا سوف ينتقلون بعد اليأس من الحرب العسكرية إلى استخدام الحرب الناعمة التي هي حرب غير مرئية، لكنها خطرة للغاية.
الحرب الناعمة هي حالة حرب دائمة وتركز على البعد التربوي الثقافي القيمي وعلى البعد السياسي للتغيير وتهدف لتغيير الحقائق، وتضليل الرأي العام، والشعب، وهي حرب حقيقية فعلية لكننا لا نراها ونلمسها، ونشعر بها مثل الحرب العسكرية.. ولكي أقارب الفكرة التي أتحدث عنها سوف أشير إلى أهم مرجع تحدث عن (القوة الناعمة) وهو الأستاذ، والدبلوماسي الأميركي (جوزيف ناي) الذي بدأ صياغة هذا المفهوم في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان: (مقدرة للقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية)، ثم طور هذا المفهوم في كتابه الشهير، والمرجعي (القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية).
يعرف (ناي) ببساطة هذا المفهوم بأنه (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام)، ويشير إلى أن القوة الناعمة (تعني التلاعب، وكسب النقاط على حساب جدول أعمال الآخرين ومن دون أن تظهر بصمات هذا التلاعب، وفي الوقت نفسه منع الآخرين من التعبير عن جدول أعمالهم، وتصوراتهم الخاصة).
وأما موارد، أو مصادر القوة الناعمة فهي من خلال تعزيز قيمك، ومؤسساتك على حساب المنافسين، وتوسيع مساحة، وجاذبية الرموز الثقافية، والتجارية، والإعلامية، والعلمية، مع بسط وتلميع جاذبية أميركا، وصورتها، وتثبيت شرعية سياساتها الخارجية، وصدقية تعاملاتها، وسلوكياتها الدولية، وضرب سياسات الأعداء.
وللوصول إلى هذه الأهداف تستفيد الحرب الناعمة من كل المؤثرات، والرموز البصرية، والتجارية، والثقافية، والإعلامية، والأكاديمية، والرياضية، والدينية.. إلخ، أي لا تترك مجالاً للتأثير، ومد النفوذ إلا وتدخل من خلاله، ومن الطبيعي أن نسأل هنا لماذا سوف ينتقلون لاستخدام القوة الناعمة؟
جوابي: بهدف التخريب من الداخل، وإسقاطنا بأيدينا، وأدواتنا، دون أن يشعر كثيرون بما يحصل، بل قد يعيش البعض حالة من السرور، والسعادة لما يحصل –من دون إدراك الأهداف الحقيقية.
– لقد نجح أعداؤنا في بداية الحرب علينا في اختراق مجتمعنا من خلال الإعلام، وشيوخ الفتنة، والمصطلحات، والتضليل الاستراتيجي، وتغيير بعض القيم، والأعداء، والأصدقاء، وهو أمر يجب أن نعترف به مهما كان حجم هذا الاختراق صغيراً – أو كبيراً، ولكنه واقع مُعاش ونلمسه جميعاً، والسؤال هنا- أين حدث هذا الاختراق!
هنا دعوني أشير إلى بعض النقاط السريعة:
1- الاختراق في المجال الديني- من الاعتدال، باتجاه التطرف والإرهاب.
2- الاختراق في مجال الهوية- الانتماء للهويات الفرعية على حساب الوطنية.
3- الاختراق في مجال العدو- والصديق، البعض جلس في حضن العدو الإسرائيلي.
4- استسهال العمالة للأجنبي على حساب المصالح الوطنية العليا.
5- التضليل في مجال المفاهيم: الحرية- الديمقراطية- المعارضة… إلخ.
وهناك بالتأكيد نقاط كثيرة أخرى يمكن الحديث عنها، والإشارة إليها لأن البحث هنا يطول، ولكن كما قلت فإن القوة الناعمة- لا يمكن مواجهتها إلا بالقوة الناعمة، وبالبدائل الذكية، وبالمرونة الاستراتيجية، وبطرح الحلول العلمية والمدروسة القابلة للتطبيق.
من ناحية المبدأ فإنه بالرغم من هذه الاختراقات، فإننا يجب أن نعترف أن وعي الأغلبية العظمى من الشعب السوري كانت كافية للمواجهة، وأن نسبة هذا الوعي تزايدت مع انكشاف أوراق الأعداء، وسقوطها واحدة تلو الأخرى، واعترافات هؤلاء بما قاموا به في سورية ولكن ذلك لا يكفي، إذ لا بد من زياد التحصين الوطني، ومواجهة التحديات القادمة التي هي ضخمة، وكبيرة، وتشكل القوة الناعمة قوة ضاربة، أساسية في هذا الاتجاه.
لمواجهة الحرب الناعمة لا بد من زج كل الطاقات الوطنية في مختلف المجالات الثقافية، والفنية، والسياسية، والدينية، والرياضية والأهم الإعلامية- ولأننا إعلاميون فإن المطلوب في هذا الجانب أن يتحول إعلامنا إلى إعلام جذاب، ومؤثر، وبالتأكيد لا يعني ذلك أننا سوف نتفوق عليهم- فهذا أمر صعب- بسبب الإمكانات المادية الضخمة المتوافرة لديهم، ولكن تحويل إعلامنا إلى إعلام جذاب تنويري، يتصدى للأعداء بشكل علمي، ومدروس، ويناقش كل القضايا بشكل حر، ومسؤول، ومنفتح سوف يجذب عدداً أكبر من المتابعين، ما يزيد قدرتنا على التأثير، وفي هذا الإطار فإن دور النخب المثقفة أساس في دعم هذه المواجهة إضافة لتطوير أدوات المواجهة بما يتناغم مع معطيات العصر، وجيل الشباب.
إن لدى سورية من أدوات القوة الناعمة الكثير- الكثير، ولكنها تحتاج إلى تفعيل، ومأسسة بحيث تتحول إلى القوة الضاربة لنا في المواجهة، والانتشار منها: الفن- الدراما، والشعر، والثقافة والموسيقى- والأدب، والدبلوماسية العامة….إلخ، والقوة الناعمة السورية مؤثرة، وذات نفوذ على صعيد العالم العربي والعالم.
ونظراً لأهمية القوة الناعمة فإن بعض دول العالم أبدت الاهتمام، وخصصت موازنات كبيرة لهذا الأمر فالصين أعلنت منذ عام 2007 عن حاجتها لزيادة قوتها الناعمة، وهو ما نلمسه الآن في منطقتنا، والعالم، وأما روسيا الاتحادية فقد دخلت عام 2016 لأول مرة ضمن قائمة الدول الأكثر امتلاكاً للقوة الناعمة – حيث احتلت المرتبة (27) عالمياً حسب تقرير وكالة (بورت لاند) البريطانية للعلاقات العامة، وهنا يجب أن نذكر أن قوة روسيا لا تقتصر على القوة العسكرية، بل إن الذراع الضاربة لها كان نجاحها في مجال الإعلام إذ تحولت قناة (RT) بالإنكليزية إلى مصدر قلق كبير للدول الغربية حتى اضطر الأمر وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابق «جون كيري» للتعبير علناً عن ذلك باعتبار أنها تفوقت على مؤسستي (بي بي سي) و(سي إن إن) القوتين الضاربتين لبريطانيا وأميركا.
ما أود هنا قوله: إن روسيا استفادت من أخطاء الاتحاد السوفييتي عندما حولت إعلامها إلى قوة ناعمة ضاربة، وإستراتيجية، ولكن عبر جاذبيته واستخدام أدوات العصر والمواكبة المستمرة والتطوير الدائم، إضافة لأخذ التجارب الإيجابية لدى الخصوم والاستفادة منها.
أما في سورية: فإن الحديث عن إعادة الإعمار يجب أن يكون جوهره، وهدفه بناء الإنسان من جديد، وتحصينه من الحرب الناعمة القادمة من خلال تمويل كبير لقوتنا الناعمة التي يجب أن تحظى بكل الاهتمام في المرحلة القادمة، لا تقتصدوا في تمويل الإعلام، والثقافة، والموسيقى، والفن، والرياضة، إذ لا يمكن بعد الآن المواجهة بالأدوات القديمة، والأهم بالعقلية القديمة، فالمطلوب: التفكير خارج الصندوق، لأن الصندوق الذي تعرفونه انتهت صلاحيته أيها السادة! وهو ما يندرج تحت عنوان «صناعة المستقبل» بأيدينا قبل أن يصنعوه لنا من دون أن نشعر! الحرب الناعمة: أصعب بكثير مما عرفناه سابقاً، فلنستعد لها بكل جدية ومثابرة وفكر متجدّد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن