ثقافة وفن

عن المرأة.. وسر المرأة

| إسماعيل مروة 

لا يخلو زمن مهما كان بسيطاً من حديث عن المرأة، سواء كان المتحدث متصالحاً مع نفسه أولاً ومع المرأة ثانياً، أم كان من الذين يملكون أحقاد الكون على المرأة وجمالها ونورانيتها وعظمتها، وهو يرى نفسه لا شيء أمامها، فهذا ينتقد، وذاك يرسل صورة، وثالث يرسل نكتة، والأغرب والأطرف ما يصدر عن أناس يظنون أنفسهم أنهم يكرمون المرأة والمجتمع، فهذا يرى أنه على الذكور أن يتزوجوا أكثر من امرأة من أجل العنوسة أو الأرامل، وكثرت هذه الآراء في الأزمات، وكأن كل واحد منهم قام باستحضار آراء النساء جميعاً، وبدأ يتحدث بأسمائهن!
والطريف أن بعض من يدعو إلى هذه الفتاوى والأحكام من النساء أنفسهن، من دون اكتراث لأي نقطة خلافية بين امرأة وأخرى، بل لا يتنبهون حقيقة إلى أن البطولة في الحياء هي للمرأة، وليست للرجل، فهو من الناحية الفيزيولوجية أضعف وأدنى في الزاوية التي يعرضون لها، من المرأة، وهي إن لم تكن مكرهة أو مغتصبة لا يستطيع الرجل مجاراتها، ومع ذلك هناك هذه الدعاوى والفتاوى للتعدد، وأطرف ما في الموضوع أن الداعين من الرجال والنساء على السواء يلبسون أقوالهم بدعوى الحرص على المجتمع والمرأة!
فهل عنوسة المرأة وترملها خطر على المجتمع؟! لماذا لم يدع أحدهم إلى تحصين المجتمع والمرأة؟
وهل المرأة كتلة من الشهوة كما يصفونها؟ وهل تقتصر الشهوة على المرأة أم إنها تمتد إلى الرجل؟
أزعم أنها لدى الرجل أقوى، ودليل ذلك دعوته للتعدد وما يتبع عنه، وتفسيره للعدل على هواه!
لا يتعدى الحديث عن المرأة في المجالس، ووسائل التواصل أن يتجاوز حدود الحاجة الجسدية، ويتناسى أي جانب من جوانب الحياة والثقافة والفكر! حتى من يدعو إلى أن تشارك المرأة في الحياة الاقتصادية والعملية، وزوجته وأخته تعملان في البيت، يتناسى أو يجهل أن اتفاقيات حقوق المرأة الصادرة عن الأمم المتحدة، وما تفرع عنها من (جندر) يحدد للمرأة العاملة في البيت والتربية مرتباً، ويحدد لها أسهماً في البناء ا لاقتصادي والاجتماعي، بل من حقها أن تطالب بهذا المرتب والتعويض..!
ما من امرأة مبدعة أو ناجحة، مهما بلغت في الشرق والغرب إلا اتهمت بشتى أنواع التهم، ومن الرجال والنساء على السواء، وأفظع أنواع التهم أن فلاناً يكتب لها، ودوماً الذي يكتب ينتمي إلى الرجال، وما أدراك ما هذا الاتهام الذي يجر وراءه كل الاتهامات! وتفوق الرجل في الإبداع أمر مفروغ منه، ليس لتفوقه، بل لأن الشرط الأول للإبداع هو الحرية، ونحن في العالم أجمع، مجتمع ذكوري، يفتقد شرط الحرية للذكور نسبياً، فما بالنا بالشرط مع المرأة التي تستلب من المجتمع والرجل على السواء؟
تحاورت بحكم عملي مع عدد لا يحصى من السيدات، ومنهن مبدعات، وما رأيت ولمست من إبداع يتفوق على الرجل، وقدرة إحداهن على الإبداع أعلى، ومع ذلك لا تترك نصاً أو أثراً! فالرجل بإمكانه أن يحكي عن (سي السيد) لكن إن تكلمت المرأة فهي معقدة وتكره الرجل! والرجل يتحدث عن مغامراته العاطفية، ويمكن أن يكتب ما يشاء ويتجاوز الخطوط الحمراء، وينسب ذلك إلى الحياة الاجتماعية وعالم القص وما أدراك، ولكن إن تحدثت امرأة مبدعة فإنها توصف بأنها تقدم تجربتها الذاتية غير الأخلاقية، وكأنها لا ترى المجتمع، ولا تسمع الحكايا!
والرجل يصل إلى كل المواقع، ويقبض ويدفع فواتير ترتبت عليه، ولكن المرأة – غالباً- لا تتمكن من ذلك لأنها ستوصف ويتحدث بها، ومجتمعنا العربي لم يستطع إلى اليوم أن يعزز ثقافة العمل، وأن يكون عمل المرأة والرجل هو المقياس، أما الحياة الشخصية فهي شأن خاص للرجل والمرأة، والخيار الشخصي لا يدخل في إطار التقويم والعمل!
الأمثلة التي يعرفها كل واحد منا أكثر من أن تحصى، فكم من متنفذ ينظر إلى كل امرأة تعمل تحت إمرته على أنها ملك شخصي له من حقه أن يمتلكها بطريقة أو بأخرى! وكم من امرأة زهدت بعملها وعادت أدراجها لأنها لا ترغب أن تكون دجاجة عند السيد الذي يريد أن يمتلكها! وكم من رجل متنفذ يرى المرأة مشاعاً، وما لغيره يمكن أن يكون له، لأنه قادر أن يسطر مكافأة، أو يعطي امتيازاً من نوع ما! وكم من اتهام تعرضت له المرأة بلا دليل حملت وصمته طوال حياتها، وهي إن تطاول الزمن ينظر إليها على أنها منتهكة، لمجرد الاتهام، وأن الأيدي يجب أن تتناقلها! والرجل الذي كان وراء الاتهام قد يصبح تائباً ومصلياً وصائماً، ولا أحد يذكره! أو قد يتحول إلى اتهامات أخرى، ولكن كلما قابله أحدهم تقرّب منه وتمسح، وقال له: يا سيدي!
المرأة والرجل سران، وسران عظيمان لوجود كون قدره الناموس، وجعله دليلاً على السيرورة والبقاء، ولكن المرأة سر مختلف وأكثر عمقاً، وأكثر طهرية من الرجل وسره وعالمه، وهنا لا أقصد أن أستميل عاطفة الرجل لأقول له: إنها أكثر طهرية لأنها أمك وأختك… بل هي أكثر طهرية لأنها الخصب والعطاء، لأنها الأرض الحاضنة للزرع، المتفتحة على روعة وجمال قل نظيرهما، لأنها ألم يسبغ الحب على الكون نضارة لم تكن ولن تكون لولا ابتسامتها، وأن تصدح ضحكتها، أو أن تعابث بضحكة فيها من البراءة ما فيها.. سر المرأة الطهري الذي لا يمكن أن نفك رموزه أن أكثر النصوص مقدسة وغير مقدسة نالت منها وقزمتها، ومع ذلك هي تحيا وتوزع عبيرها ومطرها وثلجها على الكون! حتى الفلسفات الحديثة القائمة على العلمنة نالت من المرأة، إذ جعلها الكثيرون جائزة لمن ينتمي إلى هذا التيار أو ذاك.. فإن كنت من أتباع الفلسفة الفلانية فإن الحياة الحرة مع المرأة متاحة! ومع ذلك اعتنقت المرأة هذه الفلسفات، وأثبتت لأصحابها خطأ ما ذهبوا إليه وخطله.. وفي الديانات جعلوا المرأة مكافأة، ونسخوها، وجعلوها بالعشرات والمئات والألوف.. إنهن الحوريات، ومع ذلك بقيت المرأة تعبد وتتعبد، ولم تتغير تجاه الرجل الذي ينظر إليها هذه النظرة، فأي سرّ في المرأة؟ تروي الحكايات، ولا أقول الأساطير، أن الحياة الأولى كانت أمومية، والأم المرأة هي كل شيء فيها حتى جاء الانقلاب الذكوري، فصار الكون ذكورياً، والتفوق صار ذكورياً، ولو بصورة صورية، ترى هل ترى المرأة أن مرحلة الاحتواء عائدة؟ هل ترى أن الأمومة قادرة على العودة للتحكم؟
هل حافظت المرأة على احتوائها وأمومتها لأنها لا تكترث لهيمنة ذكورية مؤقتة؟
أسأل وبصدق: كم من مرة تعرضت المرأة لما يزعجها، وخرجت ساخرة مما تعرضت له، بينما كان الطحلب ينفش ريشه بأنه اقتنص! كم هي خطرة المرأة والأمومة؟ كم هو سر كينونتها عميق حتى نستعين بكل غرور الذكورة لتحجيمها وبكل الواقع الاقتصادي المأساوي لاستغلالها، وبكل عقل مغلق ينسب إلى العقائد يحرم المرأة في الشرق والغرب من أن تكون الأولى في كل شيء؟ زنوبيا وحدها عندما انهارت مملكتها بقيت اسماً عظيماً انتهى ولم يشهد نهاية ما بناه، ووصفوها بالضعف، وربما نعتت بالانتحار، ونيرون الرجل أحرق مملكته بنفسه! فأيهما الأقوى؟ وأيهما يستحق أن يكون قدوة حياة؟
أي سر في المرأة؟ لنبتعد عن الإنشاء والعواطف وخبز الأم وقهوة الأم وصدر الأم… ولنبتعد عن رؤية المرأة مكافـأة… عندها سنكتشف أننا جميعاً خدماً للمرأة وخصبها وزرعها واحتوائها غير المحدود للروح والجسد، وأنها وحدها تحمل عشبة خلود جلجامش الذي تاه عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن