قضايا وآراء

نظام العولمة الأميركي والشرق الأوسط

| تحسين الحلبي 

كشف رئيس تحرير المجلة الإلكترونية الأميركية «أنتي وور» جوستين ريموندو قبل أيام أن العولمة التي أرادت الإدارات الأميركية فرض نظامها لمصلحتها بدأت تشهد نهايتها، واستشهد بنص وجهه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيليرسون إلى موظفي وزارته جاء فيه: «يجب إعادة تحديد مهمة وموضوع بيان هدف وزارة الخارجية تجاه العالم».
وظلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلتزم، إلى وقت قريب، بما تحدد في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما من أهداف أهمها: تعزيز ونشر الأنظمة الديمقراطية، وهو الشعار الذي غزت بموجبه إدارة جورج بوش العراق حين رافق هذا الشعار شعار محاربة الإرهاب لتسويغ كل أشكال الهيمنة والتدخل الأميركي ضد الدول الصغيرة والمناهضة للهيمنة الأميركية.
اليوم، قرر تيليرسون في توجيهاته للوزارة، حذف موضوع «نشر الديمقراطية» من المهام، وعلق رموز من المحافظين الجدد مثل إليوت إبرامس، وقالوا: «كانت هذه المهمة تسمح لنا بتأسيس عالم الديمقراطية ولكن الإدارة لا تريد ذلك اليوم».
ولطالما استند إبرامس منذ عقود، من موقع مسؤوليته في مجلس الأمن القومي الأميركي، إلى هذا الشعار في صنع الانقلابات وتغيير أنظمة الحكم في دول أميركا اللاتينية، وهو الشهير بصاحب فضيحة «كونتراغيت» في السلفادور في الثمانينيات التي تسببت بمذابح آلاف المدنيين الأبرياء وفي غواتيمالا وهوندوراس ونيكاراغوا.
مسؤولون في الإدارات الأميركية السابقة قالوا عن إزالة هذا الشعار في مهام وزارة الخارجية الأميركية ومن بينهم توم مالينوفيسكي، الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون «الديمقراطية وحقوق الإنسان» في عهد باراك أوباما: إن إزاحة هذه المهمة ستؤدي إلى تقارب بين واشنطن وموسكو في السياسة الخارجية.
ويرى رئيس تحرير «أنتي وور» أن إعلان البيت الأبيض عن إيقاف المساعدات للمعارضة السورية يعد أوضح تعبير عن تراجع الإدارة الأميركية عن سياسة تغيير النظام في سورية، لكن السؤال هو: هل عدلت واشنطن سياستها هذه، إن صح الاعتقاد، بسبب اقتناعها بعدم عدالتها كمسوغ للغزو والاحتلال، أم لأنها تلقت هزيمة في سورية وغيرها من الدول التي تدخلت فيها عسكرياً ولم تستطع تغيير النظام؟!
الحقيقة هي أن سياسة العولمة الأميركية واجهت مقاومة من دول صغيرة ودول كبيرة منذ عقدين تقريباً، وتشكل تحالف واسع لا يستهان بقدراته في مجابهة هذه السياسة، فواشنطن خاضت أطول حرب لها حتى الآن في أفغانستان التي تعتبر من أفقر الدول، والحرب مستمرة منذ 16 عاماً من دون أن تتمكن من السيطرة عليها وإدارة مستقبلها، بل ولدت حروباً حولها في دول أخرى مثل العراق ثم سورية وليبيا، وفي النهاية ها هي تحصد إحباطاتها وتحاول تحقيق ما أمكن مما تبقى من أهداف عجزت عن تحقيقها.
إن أكثر ما يميز هذه نهاية العولمة الأميركية، تلك المجابهة التي خاضتها سورية وحلفاؤها ضد أكبر الهجمات لتشق في جبهة أميركا أكبر ثغرة مازالت تتسع حتى فرضت في النهاية على الإدارة الأميركية الجديدة هزيمة لم تتوقعها إدارة أوباما التي قادت خلال ثماني سنوات حروب الربيع العربي باسم محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية في المنطقة، فالعالم الآن لم تعد تنطبق على خصائصه، ظاهرة نظام العولمة الأميركي، بل نظام تعدد أقطاب القوى الكبرى والقواعد غير الأحادية في حل النزاعات الإقليمية والدولية.
بفضل هذا الانتصار أصبحت سورية وحلفاؤها قادرين على المشاركة بصياغة وفرض دورهم ومفهومهم في بناء قواعد نظام لن يكون بمقدور واشنطن بشكل خاص وحلفائها بشكل عام، فرض هيمنتهم على الدول المستقلة، مهما كان حجمها في مناطق كثيرة في العالم، وهذا ما أدركه مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهد أوباما توم مالينوفيسكي حين توقع أن يكون تخلي وزارة الخارجية الأميركية عن مبدأ التدخل الأميركي لتغيير الأنظمة باسم «نشر الديمقراطية وفرضها بالقوة»، مفتاحاً لتقارب روسي أميركي في حل النزاعات في العالم، ما يشكل اعترافاً بالدور المشارك لروسيا والصين وحلفائهما في حل النزاعات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن