قضايا وآراء

هونغ كونغ العرب

| عبد المنعم علي عيسى

مع إعلان استقلال الإمارات العربية السبع واتحادها فيما بينها عام 1971، اختطت هذه الأخيرة مساراً كان مختلفاً عن باقي شقيقاتها الخليجيات ولطالما أثبتت تلك السياسة نجاعة فائقة على امتداد التجربة الإماراتية.
هناك بالتأكيد عوامل عديدة ساعدت في إنجاح التجربة الإماراتية التي وصلت حدودا رائدة، ففي عام 2010 كانت الإمارات تحتل المرتبة 22 عالمياً في أسعار الصرف في السوق، والمرتبة 2 كأكبر دولة في القدرة الشرائية للفرد الواحد، والمرتبة 13 من حيث الدول المصدرة برصيد 235 مليار دولار، والمرتبة 18 من حيث الدول المستوردة، واستقطبت في العام نفسه ما يزيد على 10 ملايين سائح، وجميع ما سبق كان قد دفع بالعديدين إلى توصيف الإمارات، أو زهرتها دبي، بهونغ كونغ العرب أو غرب آسيا.
قامت التجربة الإماراتية على إنتاج نظام اقتصادي مستدام يعتمد على المعرفة والانفتاح ويتميز بالتنوع والمشاركة، وعلى الرغم من خطورة الاستثمار في مجال العقارات، فهو عمل من لا عمل له، إلا أن الإمارات حققت في ذلك المجال نجاحا باهرا وهو ما دفع تلقائياً بالبنية المجتمعية من البداوة إلى التحضر كشرط أساسي لا بديل منه لركب أمواج التقدم والارتقاء على سلم القوى الاقتصادية الفاعلة في محيطها والعالم.
شكلت المرونة الفائقة التي تميزت بها القوانين والسياسات الإمارتية عاملاً مساعداً مهماً في كسب ثقة المستثمرين وكبار الشركات العالمية وفي أتون هذا النجاح كان مفروضا بالتأكيد على الإمارات دفع إتاوة تتناسب مع حجمها وهو ما تمثل بعقود واتفاقيات لشراء أسلحة أميركية وغربية، ولو كان طريقها فقط إلى المستودعات، وبمعنى آخر فإن تكديس الأسلحة لم تكن تنظر إليه أبو ظبي على أنه وسيلة لتراكم فائض القوة الذي يمكن استخدامه في رسم السياسات، فالنزعة السلمية كانت معلماً مهماً ولربما شكلت الشرط الأهم في جذب الأموال والاستثمارات، وتلك حالة طبيعية إذ لطالما أراد المال على الدوام الاستقرار واستتباب الأمن لكي يحل في مكان ما.
مع مطلع عام 2011 أخذت الإمارات تتلبس، أو تلبس لا فرق، لبوسا آخر مغايراً للبوسها الذي عرفت به من قبل، فانطلقت القاذفات الإماراتية في آذار 2011 لتقصف في ليبيا تحت راية الناتو وتعمل على إسقاط نظام معمر القذافي في تشرين الأول 2011، وبعدها بأقل من أربعة أعوام انطلقت أيضاً القاذفات الإماراتية لتشارك بعاصفة الحزم السعودية التي أعلن عنها أواخر آذار 2015، إضافة إلى ثبوت العديد من حالات استخدام أبو ظبي للمال السياسي بغية تفجير بلدان محيطة أو قلب أنظمتها بما في ذلك حكم آل سعود في الرياض الذي أظهرت وثائق ويكيليكس رغبة إماراتية في إسقاط ذاك النظام، وفي 20 حزيران الماضي كانت الإمارات قد تعهدت بتمويل الاستفتاء المزمع إجراؤه في كردستان العراق في 20 أيلول المقبل، كما أكدت مصادر رسمية أميركية مؤخراً ضلوع الإمارات في قرصنة الموقع الرئاسي القطري في 24 أيار الماضي لنشر بيان نسب إلى أمير قطر واستخدامه كذريعة لتفجير الأزمة الخليجية القطرية التي لم تنقض فصولها بعد.
من المؤكد أن النزعة الهجومية العسكرية، وكذا السياسية، ستكون لها تداعيات خطرة على التجربة الإماراتية الناجحة وهي ستفرض على الميزانية زيادة في النفقات العسكرية التي من شأنها أن تصيب الاقتصاد في مقتل.
ولذا فإنه من الصعب فهم التقديرات الإماراتية التي دفعت بالإمارات إلى المشاركة في قصف ليبيا ولو كان ذلك تحت راية الناتو، إلا إذا كانت أبو ظبي ترى أن حدود الأمن القومي الإماراتي التي يجب الدفاع عنها تقع بعيداً في الشمال الإفريقي حتى أقصاه الشرقي.
وكذلك من الصعب اليوم القول إن السلوك الإماراتي ناجم عن دفع قوى خارجية فالدفع كان ولا يزال قائما منذ عام 1971 إلا أنه لم يصبح واقعاً إلا ما بعد عام 2011، فالنزعة الهجومية الإماراتية لها مبرراتها الداخلية كما يبدو ولربما صور للقيادة الإماراتية «الشابة» أنها يمكن أن تلعب دوراً إقليمياً ولربما دولياً هو أكبر بكثير من ذاك الذي عاشته أيام المؤسس الشيخ زايد بن سلطان الذي توفي عام 2004، إلا أن ذلك، بحسب التصور، يحتاج إلى تطعيم السياسات بنكهة عسكرية، ومن المؤكد أن النموذج الإماراتي هنا يفترق بقوة عن نموذج هونغ كونغ والكارثة هي أن تكون القيادة الإماراتية مؤمنة بأن الطريق إلى هونغ كونغ يمر بالأداء السياسي والعسكري الذي تمارسه الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن