قضايا وآراء

إعادة هيكلة المعارضة أم اعتراف بالهزيمة

| عامر نعيم الياس

لا يبدو من التطورات الحالية على الساحة السورية أن الأمور باتت تحتمل العودة إلى مربع ما يسمى «الثورة» والأنسنة وإعادة تصنيع ملفات كثيرة للضغط على الدولة السورية والكرملين والقيادة الإيرانية وحتى حزب الله.
الأوراق التي بحوزة المعارضة السورية تسقط تباعاً، والتطورات الأخيرة وحتى هيستيريا عبد الباسط سيدا وسهير الأتاسي على مواقع التواصل الاجتماعي وتغريداتهم اليائسة على تويتر، لا تبشر بالخير لهم. هم قومٌ يائسون لا حول لهم ولا قوة سوى الامتثال للأوامر الملكية التي يبدو أنها صدرت عن وزير خارجية آل سعود عادل الجبير والتي تقوم على قاعدتين، الأولى التسليم ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، والثانية إعادة هيكلة المعارضة، حيث نقلت تسريبات إعلامية أيضاً أن الدعوات وجّهت لما يسمى بـ«منصتي القاهرة وموسكو» لحضور اجتماعات مع هيئة الرياض للخروج بموقف موحّد من العملية التفاوضية، فما الذي يعنيه هذا التطور؟
في سياق سبر المواقف الدولية الأخيرة يمكن لحظ الآتي:
– الصحافة الأميركية الصادرة لهذا الأسبوع سوغت قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات عن ما يسمى المعارضة المعتدلة الممولة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ورأت فيه «لوس أنجلوس تايمز» قراراً «صحيحاً»، وأشارت إلى أن «ليس هناك دليل على أن ترامب كان يتصرف تحت تأثير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالبرنامج الذي تبنته وكالة «سي آي إيه» كان قليل النتائج، كما أن شكل التدخل غير الحكيم لا يحظى باهتمام كبير، فضلاً عن عدم وجود خيارات جيدة للولايات المتحدة، فمنذ البداية كانت شحنات الأسلحة تصل إلى أيدي مقاتلي القاعدة»، وصحيفة «نيويورك تايمز» رأت من جهتها أن إلغاء دعم بمقدار مليار دولار أمر مقبول لأن «المتمردين قوة جوفاء».
إن اللجوء إلى تسويغ القرار لا يندرج فقط في سياق الانقسام الأميركي بين مؤيد ومعارض وتبادل الأدوار بين النخب الأميركية على منابر وسائل الإعلام، بل هو أيضاً وفي سياق ربطه بالحراك القائم في الملف السوري، يعكس التسليم بسياسة البيت الأبيض حالياً في سورية.
– التسريبات الإعلامية التي نقلت عن الجبير، وهو آخر المنضوين في درب التغيير الذي فرضه درب الميدان والصمود السوري، سبقتها خطوة في غاية الأهمية وهي، إن صحت تسميتها، نقل الملف التفاوضي حول مصير المرتبطين بالسعودية في سورية وتحديداً في محيط دمشق إلى القاهرة، حيث تم الإعلان من القاهرة عن منطقة خفض التصعيد في «بعض مناطق الغوطة الشرقية»، وهنا المقصود تحديداً مناطق وجود «جيش الإسلام» الذراع العسكرية للسعودية في محيط دمشق، كما تم الإعلان عن الاتفاق على منطقة خفض تصعيد جديدة في شمال حمص، من القاهرة أيضاً.
– في الحرب على جبهة النصرة وداعش لا يمكن خلق مسوغات إضافية، وموسكو تعمل على نسف الخيارات والحجج الواحدة تلو الأخرى، وهنا أهمية مناطق خفض التصعيد سواء من ناحية حجم وتأثير ومسوغات الاتفاق الروسي الأميركي ثنائياً، أم الاتفاقات الثلاثية بين موسكو وأنقرة وطهران، فضلاً عن أن المناطق المشمولة بالاتفاقات وتلك التي يجري التفاوض عليها حالياً تنزع ذرائع الملف الإنساني وتصنيعه وابتكار أدوات متجددة للضغط على الدولة السورية، وأيضاً تصنيع الملف الكيميائي في سورية لوقف عمليات الجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة، في ضوء تحوّل القضية السورية دولياً من قضية سياسية إلى إنسانية بحتة، وهذا خطأ ارتكبته القوى الداعمة لما يسمى المعارضة وانساقت إليه الأخيرة لمراهقتها السياسية أولاً، وعدم امتلاكها لقاعدة شعبية خاصة بها على الأرض ثانياً.
– ما يسمى بالمعارضة السورية المرتبطة بالرياض وأنقرة والدوحة انتقلت من «المجلس الوطني» إلى «الائتلاف» ومنها إلى «الهيئة العليا للتفاوض» العاملة تحت مظلة «الائتلاف»، وهذه المعارضة تحديداً لوحظ انخفاض في سقف خطابها ومواقفها في كل مرة تتم عملية إعادة الهيكلة فيها، واليوم نرى أن إعادة الهيكلة الجديدة تندرج في السياق ذاته، أي الخروج من المواقف السابقة بأقل الأضرار الممكنة، فالموقف يذهب مع كل عنوان يتم طيه ووضعه في أدراج التاريخ.
– ما جرى في جرود عرسال، وعملية نقل المسلحين من جانبي الحدود السورية اللبنانية إلى إدلب، والتقدم الذي يحرزه الجيش السوري في مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية، والتباس الموقف حول ما يجري في التنف، والسباق نحو الشرق، في ظل الرضا الدولي عن مناطق وقف التصعيد، وخاصةً في جنوب سورية، بعد انكفاء تل أبيب عن محاولة تحسين لشروط وفرض الإملاءات، يضع ما يسمى «المعارضة المعتدلة» وذراعها المسماة «الجيش الحر» في موقف يفرض إعادة الهيكلة وتوجيه البندقية أو ما تبقى منها إلى اتجاه جديد.
– التدخل العسكري الروسي «غير المتوقع» وفق السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد، كان الأساس في انقلاب الوضع الميداني ومن ثم السياسي في سورية، والذي كانت أهم ثماره حلب نهاية العام الماضي.
هيستيريا المعارضين السوريين على مواقع التواصل، فسّرها الجبير، الذي كان آخر المنضوين والراضخين لرياح التغيير التي فرضها الجيش السوري والجيش الروسي والحلفاء من إيران إلى حزب الله، وباتت المعادلة اليوم تقوم على الثوابت التالية: أولاً تنفيذ القرار 2254 على قاعدة إعادة هيكلة المعارضة للقبول بالتغيرات الجديدة، وثانياً التسليم والإجماع على بقاء الرئيس الأسد، وهذا هو الوجه الآخر للاعتراف بهزيمة المشروع الغربي الإقليمي في سورية، وثالثاً أولوية الحرب على داعش وجبهة النصرة في سورية وضرورة توجيه جميع القوى على الأرض لتحقيق هذا الهدف فقط، ورابعاً الاعتراف بمحورية الدور الروسي في سورية وتقلص خيارات واشنطن إلى الحدود الدنيا في التعامل مع الحالة السورية.
هي هزيمة بكل ما للكلمة من معنى وتراجعات بالجملة إما على شكل إعادة هيكلة، أو على شكل توبات إعلامية، أو على شكل انسحابات واستقالات بسبب الخيبات السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن