من دفتر الوطن

لوحات حب

| عصام داري 

نستجدي بقايا فرح من زمن رحل ويبدو أنه لن يعود، نحزن على أيام كانت كل عمرنا وحبنا وليالينا الطويلة التي سهرناها نكتب الرسائل ومشاريع قصائد عشق لم تكتمل.
ندرك أن حياتنا مهما طالت سنواتها، مجرد محطات يتوقف فيها قطار العمر، منها المفرح، وأغلبها المحزن، وربما كان بعضها محطات استراحة وتأمل وإعادة ترتيب الحسابات والأولويات وفق تطور منطقي طرأ على هذه الحياة.
نسأل أنفسنا:هل شارف قطارنا على بلوغ محطته النهائية؟ والمصيبة تأتي من الجواب، فقد أمضينا أعواماً عديدة بلا هدف نسعى إلى تحقيقه، أو عمل نفيد منه، ونفيد الآخرين به.
كان لدينا كل الوقت لنفعل الكثير، ونحول أحلامنا إلى حقائق وواقع ملموس، إلا أننا كنا نؤجل تلك الأعمال إلى الغد، أو بعد الغد، «فالعمر أمامنا طويل»، كما كنا نبرر تقاعسنا وتكاسلنا.
وبكل بساطة نكتشف ما كنا نخشاه، فالوقت يداهمنا لنصطدم بالحقيقة الجارحة والقاسية: فالعمر يكاد ينتهي من دون أن نحقق شيئاً ذا قيمة، وأن الأحلام ظلت أحلاماً وردية جميلة، لكن الواقع كان غير ذلك.
هل لحظات الحب والمرح والفرح التي صنعناها، أو التي توافرت لنا وعشنا ثوانيها ودقائقها هي التعويض عما فات، وعن سنوات طويلة صرفناها من بنك حياتنا بلا طائل ولا هدف محدد وجوهري؟، بل بتنا نشكك في تلك اللحظات وبالحب والحبيبات اللواتي مررن في حياتنا، هل كان كل ذلك واقعاً وحقيقة مطلقة، أم إنه مجرد حلم وردي رسمناه وعشنا في أجوائه الأسطورية؟.
اليوم، وسط حزن جديد، بل أحزان جديدة وفدت علينا على غير انتظار، نعلن فعل الندم على ما راح، بل على ما ضيعناه عن قصد أو غير قصد، لكنه ضاع وما عاد ينفع الندم.
أشعر أنني وجيلي معي، نقف على الأطلال كما شعراء الجاهلية نبكي مجداً ربما لن نستدركه أبداً على المستوى الشخصي، وعلى مستوى وطن لم نعرف كيف نحصنه ونصونه كي لا تتسرب إليه أسراب الجراد، وقطعان الغيلان وشذاذ الآفاق ووحوش عصور العتمة والجهل والتخلف.
لكن الفرصة لم تتبخر بعد، مع علمنا أننا قد تأخرنا كثيراً، وكنا حتى الآن لا نقدر نعمة العمر الممنوح لنا على هذه الأرض، فأسرفنا في إضاعة السنوات من دون أدنى تفكير في الغد القريب والبعيد، وبتنا ندرك اليوم أن أعمارنا محدودة جداً مهما طالت، ورسالتنا في الحياة تتطلب منا ترك بصمة قبل الرحيل الأخير ليذكرنا من سيأتي بعدنا، ومن لا يفعل ذلك فستكون حياته ومضة في الزمن لا يتنبه إليها أحد.
على الرغم من الأحزان الساكنة فينا، والفرص التي أضعناها على مدى سنوات العمر، سنحاول أن نستدرك ما يمكن استدراكه، ونصنع غدنا بعدما أضعنا أمسنا، وسنرصع مستقبلنا بزركشات جمال مشغولة بقلوب عاشقة، ونزين أيامنا القادمات بلوحات حب لا تعرف الكراهية والأحقاد، ونطلق العنان لفرح يحتضن الأجيال الآتية على نشيد الحب، فالفرح هو القادر وحده على هزيمة الأحزان والهموم، ونحن شعب يعشق الحياة والحرية والفرح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن