ثقافة وفن

الـ«أنا»

| د. اسكندر لوقــا

يقول الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشه: في الماضي كان الـ«أنا» يختبئ وراء الجمع، حالياً الجمع صار يختبئ في صميم الـ«أنا». هذه المسألة يمكن وصفها بمرض تضخيم الذات بشكل أو بآخر، حيث بات صاحب هذه الـ«أنا» يقيم نفسه بمقاييس أكبر من حجمه، كما المصاب بمرض خبيث، ولا يدري خطورته على حياته. تضخيم الذات بات للأسف الشديد من أمراض العصر وخصوصاً في الأوقات التي تتيح لأصحاب المرض تحقيق المكاسب على حساب الآخر من دون بذل جهد.
هذا المرض يستعصي على محاولات صاحبه إخفاءه عن أعين الآخرين مهما سعى إلى ذلك سبيلاً، وخصوصاً إذا أصاب جانباً مرئياً من الجسم. فماذا إذاً إذا كانت الإصابة في جانب خفي منه؟ في هذه الحالة سينقلب المرض إلى ما يشبه عدواً داخل بيت وليس ثمة من عائق يحول بينه وبين العبث بمحتوياته.
على هذا النحو يستشري الورم، ورم تضخيم الذات، ومع تآكل خلايا الجسم واحدة بعد أخرى تكون النهاية.
ما يقود أحدنا إلى حديث كهذا، ما نراه اليوم حولنا، حيث العديد من هذه الأنوات إن صح التعبير، صارت مخابئ يتوارى خلفها المصابون بمرض تضخيم الذات، وإن تكن محاولاتهم صارت مكشوفة في الوقت عينه.
في الأوقات العصيبة، وتحديداً في زمن غياب المفاهيم الأخلاقية النبيلة التي تسيّر الناس عادة في الأوقات العادية، يزداد سقوط البعض من الناس في تجربة الصمود أمام المغريات، ومن هنا لا نجد البائع الذي يرضى بالربح الحلال ولا السائق الذي يرضى بالربح الحلال ولا التاجر الذي يرضى بالربح الحلال، وبذلك تغيب عن الواجهة الإنسانية قيم لا بد من حضورها كي يتحقق التوازن في المجتمع بين من يحتاج وبين من لا حاجة له بسبب من ظروفه المساعدة.
هذه الـ«أنا» التي أسف نيتشه لأن الجمع بدأ يختبئ خلفها، صارت، في واقعها الحالي، من مصادر هواجس الناس الأبرياء والعاديين الذين لا يملكون القدرة على تحمّل تبعاتها، سواء من حيث الغذاء أو اللباس أو السكن وما شابه ذلك.
ترى متى تعود الـ«أنا» المتواضعة إلى موقعها الطبيعي حيث تختبئ في الجمع وتسود العدالة في المجتمع؟ تراها قضية زمن أم إن الزمن قد فاتها وصارت من حكايات التاريخ المعاصر؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن