اقتصادالأخبار البارزة

«الوطن» تبحث في خيارات المصرف المركزي لطباعة وسك فئتي الخمسين والمئة ليرة: سيناريوهات العروض والكلف وتأثر سعر الصرف … تقديرات أولية: 5 ليرات كلفة طباعة الـ50 ليرة الورقية والمعدنية قد تزيد على قيمتها

| المحرر الاقتصادي

انتشرت أخبار عبر بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي مؤخراً حول نية مصرف سورية المركزي طرح نقود معدنية لفئتي 50 و100 ليرة سورية، مدعّمة بالصور، ما دفع حاكم مصرف سورية المركزي لنفي الأمر عبر تصريحات لـ«الوطن»، ثم عاد مؤكداً نفيه من خلال صفحته الرسمية عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إذ نشر حاكم المركزي موضحاً المسألة: «كثرت الأسئلة حول اعتزام مصرف سورية المركزي طرح عملة نقدية معدنية فئة 50 ليرة. وبدأ البعض بطرح أرقام ومزادات زعم بها أن السك سيشمل فئة 100 و200 أيضاً وبعضهم وضع صوراً باستعمال برنامج فوتوشوب وغيره من البرامج المساعدة على تأجيج أخبار سواء كانت مقصودة أم لا لكنها لا تخدم إلا بالتشويش على الاستقرار النقدي الذي تشهده سورية منذ عام مضى. ونسي البعض أن سك النقود لا يُرتجل وإنما يتم وفق أصول متعارف عليها. وبعد أن تأكد الجميع في الأسابيع الماضية أن فئة 2000 كانت موجودة سابقاً (إصدار 2015) ولم تؤثر في سعر الصرف أو المستوى العام للأسعار؛ وأن انتظار إنزالها بالأسواق كان يتطلب كما قلنا التوقيت السليم لمصلحة المواطنين لامتصاص جزئي لآثار ما حدث من خلل في السنوات الماضية.
أما فئة الخمسين المعدنية لو كانت مسكوكة لما تأخرنا بطرحها لتبديل الأوراق الحالية التي يعانيها الجميع بمن فيهم موظفو المصارف. وقد غاب عن أذهان الكثيرين ما نشرته الصحافة قبل سنوات بخصوص المرسوم رقم 1 لعام 2010 الذي عدل المادة 43 من قانون النقد الأساسي وأقر فئة الخمسين ليرة ضمن الفئات المعدنية المسموح سكها. وبالتالي قضية إقرارها تمت منذ سبع سنوات. لكن عملية السك لم تتم حتى تاريخه».
إذاً، يؤكد حاكم مصرف سورية المركزي طرح شكل جديد لفئة 50 ليرة سورية، وهنا يتحدث عن سك قطع نقدية معدنية، دون التطرق لموضوع طباعة ورقية جديدة لفئة 100 ليرة، والتي بدأت تعاني مشكلة التلف أيضاً مثل فئة 50 ليرة، ما يستدعي استبدالها، وهنا نسأل: حقيقةً، هل هناك خيارات أمام مصرف سورية المركزي ليحصل على عروض منافسة لسك وطباعة الأوراق النقدية الجديدة في ظل العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي؟ وهل كلف الطباعة هي من يؤخر إصدار قرار السك؟ وهل يقتصر قرار السك والطباعة على فئة الخمسين ليرة فقط؟ وهل تؤثر عمليات الطبعة الجديدة في سعر صرف الليرة السورية؟
حاولت «الوطن» الإجابة عن تلك التساؤلات من خلال دراسة مفصلة للموضوع، أظهرت نتائجها أنه بالفعل هناك إمكانية أمام مصرف سورية المركزي لتلقي عروض منافسة لطباعة وسك نقود جديدة، وبعد البحث حول شركات طباعة وسك النقود، العامة والخاصة، تبين وجود احتمالات أمام مصرف سورية المركزي تتيح له طلب عروض من نحو 20 شركة، بين عامة وخاصة، لدى الدول الصديقة، والمتعاونة اقتصادياً مع سورية، منها دول تتصدر عرش طباعة النقود في العالم، فالصين مثلاً يمكنها توفير إمكانية طباعة أوراق نقدية سورية جديدة عبر ثماني شركات، والهند عبر تسع شركات، إضافة إلى شركة في كوريا الديمقراطية، وأخرى في جنوب إفريقيا، ومثلها على الأقل في روسيا.

كلف طباعة النقود
بخصوص كلف الطباعة، فكما هو معروف، تزداد الكلفة كلما انخفضت الفئة النقدية، كنسبة مئوية منها، ما يجعل طباعة فئة الخميسن والمئة ليرة أعلى من كلف طباعة الفئات الأعلى، وهذا ما يتطلب استدراج عروض، لتخفيف إجمالي المبالغ المطلوبة لتأمين النقد الجديد، علماً بأن مجال المنافسة يبقى محدوداً نوعاً ما، نظراً للكلف التي تتحملها المطابع من ورق وميزات أمان وأسلوب طباعة.. وغيرها، إذ تزيد الكلف مع زيادة عناصر الأمان من أشرطة وعلامات مائية أو ليزرية وأشرطة خاصة، إلا أنه يضمن توفير بعض المبالغ على أساس الحجم المطلوب طباعته وسكه.
لتوضيح كلف الطباعة نسوق مثالين؛ الأول، وهو الأشهر عالمياً، مرتبط بكلف طباعة الأوراق النقدية الأميركية، إذ يكشف الموقع الرسمي للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي، أن طباعة ورقة الدولار الأميركي تكلف في عام (2017) 5.4 سنتاً، أي إن الكلفة تشكل 5.4% من الدولار، لتنخفض النسبة إلى 2.18% عند طباعة ورقة 5 دولارات، إذ تكلف 11.5 سنتاً، وتنخفض أيضاً إلى 0.61% لدى طباعة ورقة 20 دولاراً، إذ تكلف 12.2 سنتاً، كما تنخفض إلى 0.388% لدى طباعة ورقة 50 دولاراً، إذ تكلف 19.4 سنتاً، في حين تسجل النسبة 0.155% لدى طباعة ورقة 100 دولار بكلفة 15.5 سنتاً.
مثال آخر، هو طباعة الروبية الهندية، إذ نقل موقع صحيفة (بزنس لاين) الهندية عن المصرف المركزي الهندي أن طباعة ورقة الخمس روبيات تكلف 0.47 روبية، أي 9.4% من قيمتها، كما تكلف طباعة ورقة 10 روبيات 0.96 روبية، أي 9.6% من قيمتها، في حين تكلف طباعة فئة 20 روبية 1.46 روبية، أي ما نسبته 8.2% من قيمتها، وتنخفض النسبة إلى 3.62% لدى طباعة فئة 50 روبية التي تكلف 1.81 روبية، وتنخفض إلى 0.716% لدى طباعة فئة 500 روبية التي تكلف 3.58 روبيات، كما تنخفض إلى 0.406% لدى طباعة فئة 1000 روبية التي تكلف 4.06 روبيات. علماً بأن الهند تعدّ من كبار من يطبع النقود في العالم، وتحظى بمرتبة متقدمة، مع الصين، لجهة كمية النقود المطبوعة سنوياً.
بمقارنة بسيطة، يلاحظ أن طباعة فئة 50 ليرة سورية تقارب طباعة فئة 5 روبيات هندية، وخاصة بوجود احتمال أن تكون المطابع الهندية ضمن قائمة استدراج العروض أمام مصرف سورية المركزي، وفي المعاملة كما طباعة الروبية، تكون التكلفة الأولية نحو 9.4% من قيمة الورقة، أي أن طباعة فئة 50 ليرة سورية تكلف بالحدّ الأدنى 4.7 ليرات سورية، وفي حال ازديادها، قد تصل 10بالمئة، لترتفع الكلفة إلى 5 ليرات سورية، و10 ليرات سورية لطباعة ورقة المئة ليرة سورية.

ميزانية الطباعة
في سيناريو افتراضي، إذا تطلب الأمر طباعة 4 مليارات ليرة سورية بشكل عاجل من فئة 50 ليرة، لتأمين استبدال الأوراق التالفة في التداول، فهذا يعني طباعة 50 مليون ورقة من فئة 50 ليرة، كلفتها التقديرية 400 مليون ليرة سورية، ومثلها لطباعة المبلغ ذاته من فئة المئة ليرة سورية، تقريباً، أي إن طباعة 8 مليارات ليرة سورية من فئتي 50 و100 ليرة سورية قد تكلف المصرف المركزي 800 مليون ليرة سورية، طباعة فقط من دون أجور الشحن والنقل والتأمين، وبشكل تقديري أولي، على أساس الكلفة 10% من قيمة الورقة النقدية وهو رقم لا يشكل عائقاً أمام المصرف المركزي.
أما سك فئة 50 ليرة سورية كقطعة معدنية، فالكلفة مختلفة تماماً، وهي حكماً أعلى من كلفة الطباعة الورقية، لأنها مرتبطة بوزن القطعة النقدية، وتركيبة المعادن المكونة لها، وأسعارها في البورصة العالمية، لذا تختلف كلف الطباعة من وقت لآخر، مع تقلبات أسعار المعادن في البورصة، وقد تصل كلفة السك إلى 100% من قيمة القطعة النقدية، كما أنها تقل أحياناً، وتزيد عليها أحياناً أخرى، إلا أن الفائدة المكتسبة منها هو عمر الفئة النقدية الطويل، وعدم الاضطرار إلى تبديلها لعدم تعرضها إلى تلف كبير يعوق استخدامها في التداول.
باستخدام سيناريو افتراضي، يقوم على أساس أن كلفة سك 50 ليرة المعدنية يمثل 100% من قيمتها (أي أقل من سنت أمريكي واحد) فهذا يعني أن سك 4 مليارات ليرة سورية من فئة 50 ليرة سورية المعدنية، سوف يكلف 4 مليارات ليرة سورية. علماً بأن كلفة سك السنت الأمريكي الواحد هذا العام تقدّر بنحو 1.5 سنت، أي 150% من قيمته، وهذا يعطي مؤشراً أولياً لاحتمالات سك 50 ليرة معدنياً، إذ قد ترتفع كلفة سكها إلى 75 ليرة سورية، لتزداد كلفة طباعة الأربعة مليارات ليرة إلى 6 مليارات.
وفي النهاية الموضوع مرتبط بالعروض التي قد يحصل عليها مصرف سورية المركزي لكلف السك والطباعة، والمخصصات النقدية لطباعة نقود جديدة في موازنة العام القادم (2018).

أثر سعر الصرف
عن أثر طرح فئات نقدية جديدة في سعر صرف الليرة السورية، فالأمر مرتبط بحجم الكتلة النقدية في التداول بشكل رئيس، فإذا تم طرح الفئات الجديدة دون تغيير الكتلة النقدية، عبر الاستبدال، فهذا لن يؤثر في سعر الصرف، في حين تبرز التأثيرات لدى طرحها عبر زيادة الكتلة النقدية، إذ تخفض من قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية، وهذا مستبعد. مع الأخذ بالحسبان أن عملية الاستبدال قد تترافق بارتفاع طفيف ومؤقت في سعر الصرف لأسباب نفسية مرتبطة بالمضاربة بهدف جني الأرباح، وهذا ما حدث لدى طرح فئة الألفين ليرة منذ فترة، إذ ارتفع سعر الصرف عدة أيام، ثم عاد إلى قرب مستواه السابق (قبل الطرح).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن