سورية

العلاقات الروسية التركية تتراقص حول إدلب

| أنس وهيب الكردي

تتراقص العلاقات ما بين تركيا وروسيا، حول الوضع في إدلب، التي تحولت إلى قضية دولية بعد أن أبقاها اتفاق أستانا لإقامة مناطق تخفيف تصعيد، منطقة تفاوض ما بين تركيا وإيران وروسيا.
وأدخلت سيطرة «جبهة النصرة» الإرهابية على كامل محافظة إدلب السياسة التركية في نفق مظلم، خصوصاً أنها أدت إلى وضع هذه المحافظة التي تعتبرها أنقرة محط نفوذها الأخير في سورية، على محك البحث الدولي.
جاء ذلك في لحظة حساسة بالنسبة لأنقرة، التي كانت تعتزم إطلاق عملية كبرى تحت مسمى عملية «سيف الفرات» ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية في منطقة الشهبا التي يعتبر مركزها مدينة تل رفعت، في ريف حلب الشمالي الغربي وصولاً إلى تطويق عفرين.
وتواردت أنباء آنذاك عن موقف روسي أقرب إلى تركيا، في صراعها مع «حماية الشعب»، رغم أن موسكو أكدت أنها لن تقطع علاقاتها بالأطراف الكردية، وإن أشارت إلى أن من يقدم السلاح لـ«حماية الشعب» هو الطرف الأميركي لا الروسي.
تالياً على ذلك، تلقت أنقرة اتفاق الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب حول منطقة تخفيف التصعيد في جنوب سورية بعدم ارتياح.
وارتقى مصير محافظة إدلب ليصبح على رأس جدول الأعمال الدولي تجاه الأزمة السورية. ولم ينجم ذلك من فراغ، فأنقرة تطالب بضمان نفوذها بإدلب، في حين تدرك موسكو أهميتها لضمان أمن الساحل السوري، أما القاهرة فتهتم بمصيرها نظراً لوجود عشرات المصريين على أراضيها ممن يقاتلون مع «النصرة»، وكذلك بكين التي تراقب الوضع في إدلب عن قرب نظراً لانتشار مسلحي «الحزب الإسلامي التركستاني» المشكل من مئات الإرهابيين «الإيغور».
تتوجس أنقرة خيفة من مطامع «حماية الشعب» في مد نفوذها إلى إدلب انطلاقاً من عفرين، وذلك بدعم من طيران «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن ضد داعش، ما يعني بكل بساطة ولادة كيان كردي على امتداد الحدود السورية التركية بإطلالة على البحر المتوسط.
أيضاً لا تريد موسكو تحقق كابوس وصول الأميركيين إلى المتوسط عبر الشواطئ السورية، وأيضاً تدرك التداعيات الخطيرة لوصول «حماية الشعب» إلى المتوسط على وحدة الأراضي السورية. ليس ذلك فقط فما يقلق روسيا حيال إدلب، يتعدى وحدة الأراضي السورية أو التسوية السلمية للأزمة، فمصير هذه المحافظة سيترك تأثيرات على توجه السياسة التركية في السنوات المقبلة.
والكرملين يبدو شديد الرغبة في المحافظة على نهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاستقلالي حيال القوى الكبرى. فمن شأن استكمال حلفاء واشنطن السيطرة على مناطق الحدود السورية التركية أن يعزل تركيا عن الأزمة السورية وشؤون المنطقة، ويتركها ملجومة بكيان محكوم من ألد أعدائها: «حماية الشعب» الذراع العسكرية لـ»حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، المحظور في تركيا.
عندها، سيكون أمام أنقرة خيار وحيد هو العودة مجدداً إلى بيت الطاعة الأميركي، تماماً كما كانت عليه الحال خلال فترة الحرب الباردة إبان النصف الثاني من القرن العشرين.
بذلك، تتمكن واشنطن من إبقاء الترس التركي في منظومتها الأمنية للقرن الواحد والعشرين، والتي تعمل على بنائها لضمان بقائها القوة المهيمنة في النظام الدولي. قضيتان هامتان يمكن لواشنطن عندها أن تطلبهما من أنقرة لإرخاء قبضة حلفائها في «حماية الشعب» عن الحدود، أولاهما: موافقتها على تشكيل مجموعة بحرية حربية دائمة في البحر الأسود، تتبع لحلف «الناتو». أما القضية الثانية: فتتمثل في مطالبة واشنطن أنقرة بالسير بفرض عقوبات على روسيا أسوةً بالعقوبات التي فرضتها الدول الغربية، فضلاً عن الانضواء ضمن الإستراتيجية الغربية من الأزمة الأوكرانية.
ومن الواضح أن موافقة أنقرة على هذين المطلبين من شأنهما أن يشكلا تحدياً هائلاً للمصالح الروسية، وأن يقلصا ساحة مناورة موسكو في حديقتها الخلفية. لذا، تحرص موسكو على تنمية استقلال تركيا عن أميركا كي لا نقول دق إسفين بين البلدين، وربما كانت أداتها في ذلك صفقة بيعها منظومات الدفاع الصاروخية «أس 400».
تريد موسكو احترام اتفاق شرق نهر الفرات، وغربه الذي توصل إليه وزيرا الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري مع إطلاق روسيا عمليتها الجوية في سورية أواخر 2015. وتشكل المطالبة الأميركية بدور في المعركة المقبلة لدحر «القاعدة» عن إدلب، خروجاً عن الاتفاق الذي طبقه الروس بحذافيره، في حين سبق للأميركيين أن خرقوه في تل رفعت بريف حلب الشمالي الغربي، وبمنبج بريف حلب الشمالي الشرقي، والطبقة بريف الرقة الغربي.
وبينما تعمل واشنطن على حجز مقعد أساسي لنفسها على طاولة تقرير مصير إدلب لما يشكله من أهمية لإحكام قبضتها على تركيا، تشتبه أنقرة في أن أميركا ساهمت في انهيار الوضع بالمحافظة عن عمد، عندما قطعت تمويل وتدريب المسلحين هناك ما جعلهم لقمة هينة أمام «النصرة».
وعلى صلة بالعلاقة المعقدة مع روسيا، تعتقد واشنطن أن مشاركتها في المعركة من أجل إدلب ستمكنها ليس فقط من المحافظة على قواعدها في شرق سورية، بل أيضاً ترسيخ نفوذها ووجودها مستقبلاً في منبج، والطبقة.
تتلمس إيران طريقها إلى الدخول على خط التفاهمات التركية الروسية المرتقبة حول إدلب. وتعتقد أن بإمكانها تسليف رفيقتيها في «عملية أستانا» روسيا وتركيا أوراقاً كي يتمكنا من الحد من الدور الأميركي في المحافظة. ضمن هذا يمكن أن نفهم عودة الحديث عن اتفاق البلدات الأربع، واحتمالات تطبيقه، فإذا ما تعثر تطبيقه فمن شأن ذلك أن يقود إلى إنعاش الدور الإيراني في تقرير مستقبل إدلب، عبر المجموعات المسلحة المدعومة منها في كفريا والفوعة، كما من شأنه أن يشكل عائقاً أمام تطوير عملية أميركية في المحافظة خوفاً من الاحتكاك مع القوات المدعومة إيرانياً.
هكذا، سيكون على «الرفاق في أستانا»، اكتشاف إمكانية التعاون فيما بينهم للحد من شهية الأميركيين حيال إدلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن