قضايا وآراء

الاقتصاد العالمي في مرمى نيران سياسة الرئيس ترامب

| قحطان السيوفي 

أصبح شعار أميركا أولاً الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو شعار الولاء الكلي للداخل، يهدد ليس فقط التحالف الغربي وإنما الاقتصادات العالمية والمنظمات الاقتصادية والمالية الدولية، ناهيك عن العقوبات الاقتصادية الكيدية التي تفرضها الإدارة الأميركية على بعض الدول لأسباب سياسية.
ترامب القادم من عالم الأعمال والذي يسعى لتطبيق شعار أميركا أولاً الانعزالي، امتدت إمبراطوريته المالية إلى خارج الولايات المتحدة، من ضمنها أعمال ترامب في الهند، وهي اليوم أحدث ضحية لخطط نيودلهي الهادفة لتغيير قوانينها الضريبية، حيث أقدم الشريك التجاري لشركة ترامب في مومباي، على بيع مسبق لشقق في برج ترامب الذي سيدشن في 2019 للتهرب من الضريبة قبل تطبيقها في أول تموز 2017 ما يجعل ترامب معرضاً لمخاطر سياسية ومالية، بخصوص استثماراته الكبيرة في الهند وأصبحت علامة ترامب التجارية محل نزاع حول الشكل القانوني! وادعى مقاول هندي أن الشركة المطورة لعقارات ترامب، لم يكن لديها إذن قانوني كما ذكرت صحيفة «الفايننشال تايمز».
من ناحية أخرى يبدو أن أزمة دستورية تلوح في سماء واشنطن، حيث يعمل ترامب على منع التحقيق حول قضايا مالية وسياسية تخص الرئيس، وغضب ترامب نتيجة قرار المُحقق مولر توسيع تحقيقه ليشمل التعاملات المالية، وكلما تقدّم مولر أكثر، شعر ترامب بذعر أكبر، وبعد رفضه إصدار بيانه الضريبي، يُخاطر ترامب بإثارة أزمة دستورية، هذا يعني إيقاف مسؤولي إنفاذ القانون من البحث في تعاملاته التجارية.
مقارنات الوقائع المتعلقة بترامب بفضيحة «ووترغيت» للرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في عام 1973 لديها أوجه تشابه قوية تماما على نحو لا يُمكن تجاهله.
المشهد العالمي يشير إلى أن إدارة ترامب تفتح النار على الاقتصادات العالمية وعلى المؤسسات الاقتصادية الدولية، وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تم الاتفاق عليها مع اليابان وعشرة اقتصادات أخرى في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، وبدء محادثات لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية مع كندا والمكسيك، كلها وقائع تؤكد ذلك، بالمقابل أقر الاتحاد الأوروبي بأن محادثاته مع الولايات المتحدة مجمدة، لأن ترامب يقول إنه يفضل التفاوض بشأن صفقة مع عضو مغادر؛ المملكة المتحدة.
من أهداف نيران إدارة ترامب أيضاً المنظمات والهيئات الدولية وفي مقدمها منظمة التجارة العالمية، ويمكن أن يؤدي الأمر إلى إسقاط مؤسسة دولية تعتبر دعامة للنظام الاقتصادي الذي أسسته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
يتساءل المراقبون عن غايات إدارة ترامب من استهداف منظمة التجارة العالمية؟ والملاحظ أن المسؤولين في إدارة ترامب بدؤوا البحث عن سبل للالتفاف على نظام تسوية النزاعات لدى منظمة التجارة العالمية، كوسيلة وحيدة لحل النزاعات التجارية التي تنشب بين الأعضاء ما يحول دون وقوع حروب تجارية تلحق الضرر بالاقتصاد العالمي.
إدارة ترامب تتجاهل ما لا يعجبها من الأحكام الصادرة عن منظمة التجارة العالمية، بحجة أن المواطنين الأميركيين يخضعون فقط لقوانين ولوائح تفرضها الحكومة الأميركية، وليس الأحكام التي تفرضها الهيئات الدولية، ويرى ترامب أن الولايات المتحدة تفعل ما يحلو لها، وكانت الولايات المتحدة واحدة من القوى الرئيسية التي أسست منظمة التجارة العالمية عام 1995، والرؤساء الأميركيون من أنصارها وملتزمون بالقرارات الصادرة عنها، ومن ثم، حين يزدري الرئيس ترامب المنظمة يكون ذلك بمنزلة ضربة قوية لمؤسسة اقتصادية دولية.
عملياً إذا أراد ترامب تنفيذ التهديدات النارية التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية، ومن بينها العمل على فرض رسوم جمركية عقابية على السلع الآتية من بلدان مثل الصين، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك لتحدي ومواجهة مع المنظمة، وعلى سبيل المثال إذا أصدر قضاة المنظمة أحكاماً ضد الولايات المتحدة وتجاهلتها واشنطن، فإنها قد تضع حداً للنظام المعمول به في منظمة التجارة، على اعتبار أن الدول الأخرى قد تحذو حذوها.
من أهداف إدارة ترامب كما حددها كبير المختصين الإستراتيجيين، ستيف بانون، السعي إلى تحقيق «قومية اقتصادية» وتفكيك ما يعتبر «الدولة الإدارية» ليصل إلى المؤسسات الدولية، كما يضم فريق إدارة ترامب عدداً لا يستهان به، وهم يعترفون علناً بأنهم من القوميين الاقتصاديين والحمائيين، بمن فيهم رئيس «مجلس التجارة الوطني» الذي أنشئ حديثاً بيتر نافاررو، يترافق ذلك مع شعور أميركي قوي، ولاسيما في قطاعات مثل صناعة الصلب التي تعرضت لضربة قوية بسبب المنافسة من الصين، بأن منظمة التجارة العالمية لا تعمل لمصلحتها.
من جانب آخر، الدولار المرتفع القيمة عقبة كبيرة أمام أميركا أولاً في الوقت الذي يعِد فيه ترامب بأن يضع شعار «أميركا أولا»، فإن الدولار الذي يقيم بأعلى من قيمته الحقيقية يمكن أن يشكل عقبة، فالسلع الأميركية تصبح أكثر تكلفة، وستصبح البضائع الأجنبية أرخص بالنسبة إلى الأميركيين، وهذا يشجع الواردات في الوقت الذي يثبط فيه الصادرات، وهو النقيض المباشر لأجندة التجارة النشطة التي وضعتها إدارة ترامب.
يتضمن القانون الأميركي أدوات عديدة للانتقام من دول أخرى بحجة ممارسات التجارة غير العادلة، والأدوات الأكثر شيوعاً مسموح بها من منظمة التجارة العالمية، وهي تشمل حالات مكافحة الإغراق ومكافحة الدعم، ويمكن أن يترتب عليها فرض رسوم جمركية كبيرة على منتجات معينة آتية من بلدان محددة، لكن إدارة ترامب تستخدم أدوات أكثر حدة من بينها فرض عقوبات، وقد أقدمت الإدارة الأميركية الترامبية مؤخراً على فرض عقوبات اقتصادية ظالمة بدوافع سياسية هوجاء ضد روسيا وإيران وسورية.
لاشك أن محاولات تطبيق شعار أميركا أولاً، ووضع الاقتصاد العالمي في مرمى نيران سياسة ترامب، سيكون له تداعيات اقتصادية وسياسية على الولايات المتحدة الأميركية في الدخل والخارج وربما على مستقبل إدارة ترامب نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن