من دفتر الوطن

الأغاني الحميمة

| عصام داري 

الحياة ليست مجرد موت وحزن وظلمة وبغضاء وأحقاد ووداع وفراق، للحياة وجه آخر، فهي الحب والفرح والتسامح واللقاء، الحيوية والانطلاق نحو آفاق من حلم وسحر وخيال.
الحياة أيضاً كلمة حلوة ولحن بديع وصوت جميل نصوغها في أغنية تسكرنا من دون كأس ولا خمرة، وتجعلنا نتخيل حكايات لم تحدث وأحلاماً مشتهاة، ورحلات مسافر بين الكواكب والنجوم.
لذا قررت اليوم أن أهرب من كل الحزن المحيط بنا، ومن حديث الموت والمآسي التي صارت هوية وانتماء، قررت أن أهجر كل ذلك إلى الغناء، وليس أي غناء، بل إلى الأغنية الحميمة، والحميمة جداًّ.
معظم الناس يستمعون إلى الأغاني من دون التدقيق بالكلام، ربما يأخذهم سحر الصوت واللحن، فلا يلقون أهمية تذكر لكلمات الأغنية، ويكتفون بالمقطع الأول، أو حتى بمطلع الأغنية وحسب، لذا لا يكتشفون أن أغانينا العاطفية تضج بالكلمات الحميمة، وهذا الأمر ينطبق على كل المطربين والمطربات من دون استثناء، بمن فيهم أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم وعبد الوهاب وغيرهم، والحديث يطول.
سأكتفي بإيراد بعض الأمثلة لا أكثر، فأم كلثوم تقول من شعر جورج جرداق: «هذه ليلتي وحلم حياتي»، وتقول بعد ذلك بقليل: «وليكن ليلنا طويلاً طويلا………. فكثير اللقاء كان قليلا» ولن أضيف.
لنترك أم كلثوم وليلتها وحلم حياتها ولنذهب إلى عبد الحليم حافظ ملك الأغنية العاطفية بلا منازع، فهو يتحدث عن ضوء القناديل والشارع الطويل فيقول: «فكرني يا حبيبي بالموعد الجميل.. بليالي سهرناها وسهروا القناديل».
ليس لنا مشكلة مع عبد الحليم وسهره مع الحبيبة على «ضي القناديل»! لكن ماذا تقول فيروز وتغني من كلمات الشاعر الراحل جوزف حرب؟، ولاحظوا معي الحميمية البالغة التأثير فينا: «بليل وشتي صوتو مسموع يا هوي اغمريني يا هوي دموع.. تنين عاشقين قاعدين دايبين عميحكو سوا على ضو شموع»، ولم يقف الأمر هنا، بل عندما يقول الشاعر:
«عينيهن ببعضن إيديهن بردانين وشفافن عشاق مع بعض سهرانين» ولكم بعد ذلك أن تتخيلوا اللوحة الرومانسية الحميمة التي رسمها جوزف.
وأيضاً تغني فيروز من كلمات جوزف حرب فتقول: «لما عالباب يا حبيبي منتودع.. بيكون الضو بعدو شي عم يطلع.
يعني الزلمة طالع من بيتها وش الفجر، خير؟ولماذا؟ لكن علينا ألا نظلم الناس، فأغلب الظن أنهما كانا يدرسان، والله أعلم، ويا سيدي ما علينا.
وإذا بررنا لجوزف حرب وقلنا: إن الشب والصبية كانا يدرسان، فهل نبرر لنجوى كرم «شجاعتها» وهي تقول لحبيبها:
«خليني شوفك بالليل… الليلي بعد الغروب
مش عيب الملقى بالليل… الليل بيستر العيوب»
علمنا من الست نجوى أن الليل ستار العيوب، لكننا كشفنا المستور عن أغنياتنا العاطفية التي نصفها بأنها جريئة، وصدقوني أنا أراعي مشاعر وأحاسيس المحبين والعشاق، ولا أنوي مصادرة حقوقهم في البوح الحميمي، كل ما في الأمر أنني أردت التعريف بأغانينا التي لا يعرف كلماتها معظم الناس، ولكم أن تتأكدوا مما أقول، نقطة أول السطر مع كل الحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن