قضايا وآراء

المسألة الكردية وشلال الحلول السورية

| عبد المعين زريق

يبدو تدفق شلالات الحلول المختلفة للحروب القائمة على سورية يقدم وبسرعة معقولة أفقا قابلاً للتنبؤ والاستقراء في معظم جوانبه وزواياه المستقبلية، وتبدو الحركة إليه مثل حركات السقوط الفيزيائي الحر للكتل الوازنة، حيث نهاية الأمر، عودة للدولة السورية المتجددة ببناها الأساسية وقواها الحية ومؤسساتها الداعمة والضامنة، وإعادة انخراط سورية وبعمق في محورها الصلب المقاوم، والنسج المتين مع حليفها القطبي الصاعد في «أوراسيا» وقوى «بريكس» التي وقفت مع سورية في امتحانها المصيري ومعمودية النار والحديد التي خاضتها خلال السنوات العجاف المنصرمة.
وحدها المسألة الكردية تبدو في سورية مفتوحةً بجرأة أو تهور على خيارات غامضة لبعض أصحابها من القوى الكردية السورية، وسوف يظل التنبؤ بها منوطاً بعمق بهذه الخيارات التي ستظل تشكل مروحة واسعةً من الخيارات، تتراوح بين الدخول في حروب كسر عظم وسفك دماء يخوضونها الأكراد وحدهم في وجوه دول الإقليم الكبرى، لاستخلاص دولتهم المشتهاة وحلمهم الشوفيني كردستان الكبرى، وبين أن يقبلوا الانخراط في القوى الديمقراطية الصاعدة للدولة السورية الجديدة.
من الآخر ورغم الخطيئة التاريخية الجسيمة التي ارتكبتها بعض الفصائل الكردية الشوفينية الانفصالية، باللعب على تناقضات الأزمات المشتعلة في المنطقة وركوب قطار الأوهام الأميركي والعمالة له، شأنهم شأن كل «ثوار الغفلة» السوريين وثوار الناتو الذين جلبوا لبلداننا الخراب والقتل والدمار أقول رغم كل هذا (!) فإن ما حدث وتحت أي عناوين مضللة أو صفقات خفية لا يعطي جند الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وانكشارييه الجدد من المرتزقة، ومن منتظري المحررين الأغراب ومن مركوبي السلطان العصملي، ومرتزقة البترودولار، «كرت بلانش» أو ورقة تفويض وسماح لاستباحة دماء إخوتنا الأكراد في شمال سورية أو في أي مكان آخر في العالم.
يجب أن تكون تقاطع علاقات المواطنة السورية بين السوريين أكبر من أي تقاطعات طارئة ظرفية مع الجار الغادر ممثلاً بحكومة أردوغان ومرتزقته من جموع الإخونج، إذ إن غدر هؤلاء بسورية أكبر بكثير من انتهازية بعض الفصائل الكردية الواهمة، إن انتهازية فصيل صالح مسلم ولعبه على حبال تناقضات المنطقة ولهاثه المحموم وراء حلم «روجا آفا»، وطعنه الجسد السوري في وقت كان هذا الجسد يعاني من ألم حروب وهجمات بربرية عليه، يجب ألا يحمل كل الأكراد، إخوتنا في الوطن، تبعات هذه الانتهازية وهذه الخيانة، بل يجب أن يسجل ذلك في سجل استخلاص العبر والعظات من هذه الأخطاء الكارثية في تاريخ سورية المعاصر، وهنا يصح أن يوضع التساؤل بالنقد الموضوعي الذاتي: من هو الفصيل أو الفئة أو الطائفة أو العرق التي أو الذي لم يرتكب في سورية مثل هذه الخيارات الخاطئة والخطايا الكبرى!
يجب أن يكون الحل بالإشارة إلى هذه الأخطاء بجرأة وشفافية، والمصارحة عند المناقشة والمواجهة، ويجب تكريس الايجابيات وتعزيز روح المواطنة السورية بمعانيها الراقية المتجددة، التي هي منجاتنا في الماضي والحاضر والمستقبل، والعمل على التأكيد على حقوق المواطنة لكل الأعراق والفئات والإثنيات والطوائف، لتعزيز علاقات المشاركة والعيش المتساوي بدل نشر روح التفرقة والعنصرية والاستئثار والإقصاء وبث غرائز الكراهية والأحقاد والانتقام، بما يجعل المجتمع السوري أرضا صالحة لتفجر الألغام بشكل دائم، وإلا فسنكرر خطأ بعض الفصائل الكردية ذاته باستغلال الظرف التاريخي للانتقام وقبول الاعتداء المفتوح عليهم ورميهم بغباء إلى الحضن الأميركي بشكل دائم.
إن المراهنة على الحالة العقائدية في الإيديولوجية الكردية يجعل الأكراد يدخلون التيه وخطر العداوة الأزلي مع شعوب المنطقة، إن ما قام به الأكراد أمام السفارات الأجنبية في الدول الغربية من مظاهرات حاشدة ونشاطات صادمة وحرق أجساد لرفض اعتقال عبد الله أوجلان في التسعينيات يجب أن يدعو لتحذير هؤلاء الأكراد العقائديين وتنبيههم، فقد يحيلون أيام المنطقة وأيامهم ولياليهم إلى جحيم لا تنطفئ نيرانه، جزء من عذاب طويل ونتاج متوقع لجنون التجييش المذهبي والفرز الطائفي والعرقي الذي انتهجته السياسات الشيطانية للقوى العالمية الخفية وشركات السلاح في الحرب على سورية والعراق ومصر والمنطقة، والذي سيظل يحرقها ويضعها على فوهات براكين الخراب.
إن ما يراود الكرد السوريين، الانفصاليين بشكل أدق، من أحلام باستخلاص إقليم كردي في شمال سورية محكوم بتوازنات إقليمية وقدرات محلية ومواصفات جغرافية غير مواتية ممتدة من القامشلي لعفرين، وتتهدده عوامل إعاقة وانهيار مفاجئ في أي لحظة، وتبدو دعائمه المؤقتة القليلة الظاهرة المتواجدة على السطح الجيوسياسي الحالي من التواجد الأميركي في المنطقة والدعم الأوروبي اللوجستي والإعلامي لإنشاء منطقة «روجا آفا» في شمال شرق سورية، كل ذلك قابل للانهيار ونظرية التخلي المفاجئ، وترك الأكراد في مواجهة شيطانية رهيبة أمام دول جوارها لتخلق، إن خلقت، دولة معزولة ضعيفة في محيط معادٍ ومحتقن ومفتوح على عداء أزلي.
لعل ما صرح به مؤخراً السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد من إعلان واعتراف مفاجئ صريح ووقح أن على الأكراد ألا يبنوا أوهاماً كثيرة على الدعم الأميركي فإن الانهيار الأخلاقي الذي تمثله سياسات أميركا في المنطقة لن يكون غريباً عليها في سياقاته إن هو تخلى عن الأكراد في اللحظة الضرورية، ضمن صفقات المنطقة مع مصالح أهم مع دول المنطقة الكبرى روسيا وتركيا والعراق وإيران وسورية، فعلى الأخوة السوريين الأكراد اتخاذ العظة والعبرة من دروس المنطقة الراهنة وعدم المراهنة على الخيوط الواهية التي يلقيها المايسترو الأميركي، وأن لا تغرهم الحركات البهلوانية الاستعراضية للمهرج الرئيس دونالد ترامب سواء بالتلويح بالقوة والضربات الخلبية وإخراج الأحلام وطيور الحمام من عبه الغامض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن