قضايا وآراء

انتصرت الدبلوماسية نووي إيران يرى النور والأعين على ملفات المنطقة

كنان محمد صقر :

يبدو أن لغة الدبلوماسية المستندة إلى ثبات المواقف التي انتصرت في رؤية الاتفاق النووي الإيراني النور بعد 12 عاماً من المفاوضات، ستشكل أكثر من انتصار ليس على مستوى الإقليم فحسب بل تتعداه لتكون عنوان التحول في النظام الدولي، على قاعدة «الجميع المنتصر.. ولا غالب ولا مغلوب».
ولعل أنظارنا أكثر ما تكون اليوم بعد المخاض الطويل لهذا الاتفاق، هي على احتمالية انعكاسه على الأوضاع في سورية، وما ستشهده الأشهر وربما الأيام القادمة من تحولات في الحرب التي تخوضها، خاصةً إذا ما نظرنا إلى الأمر من بوابة ارتباط مسارات التسوية -ورغم حديث البعض عكس ذلك-، ليشكل الاتفاق النووي بداية «فرط سبحة عُقد وأزمات المنطقة».
وبين اعتبار الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «صفحة جديدة في تاريخ المنطقة جرى فتحها»، ومدلولات كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما باعتبار «الاتفاق يوفر فرصة للمضي في اتجاه جديد علينا أن نغتنمها»، وبين انتظار صدور قرار مجلس الأمن خلال «بضعة أيام» ليصدق على الاتفاق الذي تم التوصل إليه أمس الثلاثاء بين طهران والدول الست الكبرى حول الملف النووي الإيراني، تبقى الانعكاسات والترجمة الحقيقية لكلام أوباما وروحاني المنتظرة لتظهر بين دمشق والرياض.
فسورية التي كانت من أوائل المهنئين بالاتفاق عبر الرسالة التي وجهها الرئيس بشار الأسد إلى قائد الثورة الإسلامية في إيران علي الخامنئي والرئيس روحاني، مباركاً بـ«الانتصار العظيم» بالتوصل إلى الاتفاق النهائي مع مجموعة «خمسة زائد واحد».
هي ذاتها سورية التي أجمع مراقبون على أنها كانت «محور الصراع» خلال الأيام أو الأشهر الماضية بعد الحديث عن قرب الاتفاق، فجميع الأطراف المعارضة للاتفاق وعلى رأسها السعودية وقطر وكيان الاحتلال الإسرائيلي وحتى تركيا التي أفلتت إيران اليوم من قبضة جغرافيتها كبوابة عبورها الوحيدة في ظل العقوبات، جميع هذه الدول أعطت الأوامر لأذرعها الإرهابية في سورية خلال الفترة الماضية لرفع حدة الهجوم والتسخين المتزامن لجميع الجبهات، علها تتمكن من تحقيق خرق يغير المعادلات في المنطقة أو يخلق واقعاً جديداً يعيد خلط الأوراق.
فكان الهجوم على محافظة إدلب وجسر الشغور والهجمات المستميتة الفاشلة على حلب شمالاً وصولاً لبث الإشاعات وتهديد الساحل السوري غرباً، وتقديم كامل التسهيلات لتنظيم داعش الإرهابي لتوسيع نفوذه شرقاً ولو وصل الأمر بتهديد البشر كعادتهم بارتكاب العديد من المجازر، وحتى الحجر وضياع معالم تاريخ المنطقة كما في مدينة تدمر شرقاً، وصولاً لما سموه «عاصفة الجنوب» بين درعا والقنيطرة التي أتت مع رفع جميع «المحظورات» أو -ما يفترض أن تكون كذلك- ليطل كيان الاحتلال الإسرائيلي برأسه صراحةً وتصل الأمور إلى حد الضخ الطائفي والإرهابي الفاشل باتجاه محافظة السويداء السورية.
بهذه الأدوات قالت الرياض وعبرها الدوحة وأنقرة وتل أبيب كلمة «لا» المعارضة للاتفاق، على حين حافظت بالمقابل دمشق على سيرتها الأولى في محاربة الإرهاب وصمودها في وجه الحرب الإرهابية التي تشن عليها، كما حافظت طهران وعبرها كامل المحور المعروف بـ«محور المقاومة» على سيرتها في الصمود والإصرار على مواصلة المفاوضات المترافقة مع تأكيد سلمية برنامجها النووي وسلمية نياتها تجاه الجميع في المنطقة، حتى أبصر الاتفاق النور أمس.
وما بين الـمحورين الممانع والمعارض، وفي لحظة تاريخية انطلقت من قراءة متأنية لواقع وتطورات الأوضاع في المنطقة، يبدو أن «رجل المعجزات» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألقى «طوق نجاة» الجميع عبر دعوته قبل أيام جميع دول المنطقة إلى إقامة تحالف دولي إقليمي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، ويضم إلى سورية كلاً من تركيا والسعودية وقطر، إضافة إلى روسيا وأميركا وغيرهما.
خلاصة القول: فمن كوبا إلى إيران وقريباً ربما مروراً بدمشق وبغداد، يمكن القول إن ما كانت تسميه واشنطن ـ«محور الشر» لم يعد اليوم كذلك، وإن لم نشأ الحديث عن «محور حلفاء» فبأقل تقدير يمكن الحديث عن مسار «تعاون»، ومن ثم فعلى كل المعارضين الانتهاء سريعاً من إعادة حساباتها والخروج سريعاً عن صمتها لتعلن تلقف «معجزة» بوتين لبدء الحديث عن تحويل شكل الصراع في المنطقة إلى تحالف بوجه الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن