ثقافة وفن

الله… والسر الآلهي…!

| إسماعيل مروة

الله.. تبارك في علاه المعنوي والرمزي لا المكاني، فهو الذي لا يحيطه وصف، ولا يتم تجسيده، ويتجلى في روح المؤمن لا في بصره، في روح المؤمن المطلق بالناموس وليس المؤمن بدين محدد، تجلى لكل مؤمن أحبه، وفتح روحه وجسده وفكره لاستقبال خير الألوهة وفيضها! الله.. كثيراً ما يسأل واحد الآخر أسئلة عادية، ثم يتبعها بسؤال صعب وغبي هل أنت مؤمن؟ مؤمن بماذا؟ إذا كان أحدنا يعترض على تصرف رجل من رجال الدين يسأله آخر هل أنت مؤمن؟ يحملق به، وذاك يتابع: بما أنك هكذا فإنك غير مؤمن! وإن تعرض واحد لتفسير ظاهرة بالقبول أو الرفض اتهم بإيمانه، ونعت بأنه لا يعرف الله! وإن لم يكن منحنياً على يد الكبير لتقبيلها فهو ينكر الإيمان ووجود الله! وهو إن أحب وعشق فهو لا يعرف الله!
أسمع كثيراً من الناس حولي حول الله والألوهة، ومفهوم الألوهة، وجميعنا ينظر إلى الأعلى باتجاه الغلاف الجوي، لأنه انغرس داخله أن الله يسكن هناك في السماء، في الأعلى، وهو بذلك يقزّم مفهوم الألوهة التي لا يحيط بها فهم أو مكان أو زمان، ووفق عدم الإحاطة فإن مفهوم الألوهة في أرواحنا وعقولنا، ومن المفترض أن ننظر إلى داخلنا لا إلى مكان آخر! ولو فعلنا، ونظرناً كما يجب ما أخطأ أحدنا في حق نفسه أولاً وفي حق الآخر، ولعرف الواحد أن الألوهة التي تتجسد فيه يجب أن تكون طاهرة حقاً، فلا يرتكب خطأ حتى لا يدنس هذا المفهوم الأعلى السامي الذي يريده إنساناً حقيقياً، يسير معه حيث يشاء، يراقب خطواته، يساعده على النجاح، يعتب عليه على التبعية والانصياع، يهلل له في حالة الحب وانعقاد أواصر الطهر، فالله حب ومحبة..!
لو عاد أحدنا إلى كل المدونات التي نراها سماوية، والتي نصنفها غير سماوية، من آدم إلى اليوم، ومن حمورابي إلى كل الأنبياء، وصولاً إلى كونفوشيوس وزرادشت وبوذا وكل المصلحين والدعاة والمشرعين فسنجد أن مفهوم الألوهة واحد، وهو العظمة والتنزيه والبعد عن الدنايا والحب. وما دام الأمر كذلك فلِمَ تعددت الشرائع، وتعدد الدعاة، ألأننا من الصعب أن نفهم؟ ألأننا دوماً بحاجة إلى مثال وتذكير؟ ألأننا، وخاصة في أمة الشرق ننسى الألوهة وننساق وراء رغباتنا وأهوائنا، فيأتي رسول أو داع ليعيدنا إلى الجادة الصواب؟ ومن ثم نقوم بتصدير هذه الآراء إلى أماكن أخرى، يراها كثيرون أماكن كفر وضلال وتحتاج الهداية على أيدينا!
هل تستطيع أن تصدق أن الإنسان الصادق الذي لا يكذب أعز وأغلى عند الله من صاحب العقيدة؟ إن صدقت فأنت مؤمن حقاً، فالله صدق، والصادق إن كان برسالة أو بغير رسالة هو أهم من أي مخلوق، وما من عبث كانت الصفة الأولى التي لازمت النبي محمداً الصادق الأمين.
هل تستطيع أن تقتنع أن العابد مهما كان شكله وهيئته أكرم عند الله من نيوتن أو أينشتاين أو أديسون؟ إن صدقت فأنت أصبت بلوثة، وبقصر فهم حتى للنص الذي تؤمن به وتردده في صلواتك، هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ لا… لا يستوون.
هل يمكن أن تصدق أن الله في سمائه المكانية يراقب عبده، ويطرب لعبادته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ويسعد بمن يجلس في مسجد أو كنيسة أو كنيس أو صومعة ليتعبد؟ وفي الوقت نفسه لا ينظر إلى ذلك الذي يجلس في مخبره ليصنع دواء لمرض، أو ذاك الذي يصنع طائرة أو يطورها؟ هل يتبادر إلى ذهنك أن من يصنع الدواء يعارض مشيئة الله (وإذا مرضت فهو يشفين)؟ وهل يعارض الألوهة من يطور طائرة لأن المشيئة جعلت (وكل في فلك يسبحون)؟ كما يقزم مفهوم الألوهة من يصنع إطاراً مكانياً أينما كان للإله، كذلك يقزم المفهوم من يرى أن العبادة تتلخص في صلاة وصوم وزواج وإنجاب ووو… ولأنه الله الذي لا يدرك كان مفهوم العبادة غير محدد وغير معروف، ولكنني أجرؤ أن أقول بأن الكسالى عندما تسلطوا، والجهلاء عندما تسيدوا فرضوا فهماً خاصاً بالعبادة لحصر الأمور فيهم، والفتوى فيهم، مع أنه ما من حجاب بينك وبين الله، ولا تحتاج إلى فتوى وغفران، لكنها مصلحة امتهنها هؤلاء ليعيشوا منها، وبما أنهم هكذا ليس بإمكانهم أن يهيمنوا إلا إذا بسطوا مفهوم العبادة، ولو عارضوا النصوص المقدسة لديهم وجدوا أن العمل خير من العبادة عند الله، وأن العامل أعلى مرتبة من العابد.
هذه الهيمنة التي انتشرت في كل مكان ومجال حصرت مفهوم الألوهة بالرقابة والحساب، فأين الحب؟! فهو- تخيل- خلقك، وخلق معك مخبرين يتابعونك ويراقبونك ليسجلوا عليك! هل هو بحاجة لمن يسجل عليك، وهو من خلقك وسيميتك؟ تصوروا مفهوم الألوهة الذي فصله كل أناس على مقاسهم وحسب حاجاتهم، هو خالق وهو مراقب ومحاسب، والويل لك إن حدت عن طريق لا يعجب الرقيبين!! مجرد أن نسأل عن العلة والسبب فإننا سنصل إلى فهم أعمق، ودور الألوهة العظيمة لا ينحاز إلى شريعة أو دين! ولا يفضل أحداً على أحد إلا في ظروف وحالات، ولو نظرنا إلى هذه الحالات سنجدها كلها بلا استثناء لها علاقة بالعقل والعمل والعلم، وكلها حاجات دنيوية لسعادة البشرية، وسعادة الآخر، أليس هذا من مفهومات الجنة؟!
ما جدوى أن يأتي أحدهم إلى الدنيا لينزرع على كرسي في كنيسة أو على سجادة في مسجد من دون أن يفعل شيئاً؟ ماذا يقدم من فوائد لخدمة الآخرين ومفهوم الألوهة؟!
تحدث كثيرون حتى من رجال الدين والعلماء، لكن من الرجال والعلماء الحقيقيين عن مفهوم الألوهة، لكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا إلى نتيجة مع العامة، ومع جمهرة المنتفعين من الوضع القائم لمفهوم الدين والألوهة!
هل يأتي بنا الله، وطول حياتنا يراقبنا ويسجل أخطاءنا، ليثيبنا بجنة أو نار في الآخرة، ليعطينا من جنس ما نعرف وإن اختلفت الصفات؟! نساء لكن لسن كالنساء! خمر ليس كالخمر ولا يسكر! وطعام وشراب وقضايا لم نسمع بها! ودرجات للنار، وشيّ للأجساد، وصهر للأدمغة، وفضح للأسرار وما شابه ذلك!
أظن أن قمة الإيمان، والمرتبة العليا منه أن تجلّ الخالق عن هذه المواصفات، فجلت الألوهة عن أن تنحصر في إعداد عالم من الطعام والشراب والمتعة لمن أطاع وسجد وصلى وصام وتعبد وزهد! مفهوم الألوهة لا ينكره أحد، حتى عند الملحدين هناك فهم للألوهة، لكنه أيضاً من صنعهم واختراعهم كما رجال الدين والعلماء.. لكن المفروض بنا أن نترفع أكثر في إيماننا وقراءتنا للناموس والألوهة التي لم تأت بالإنسان إلى الحياة عبثاً، ولم تأت به لتحرمه ومن ثم لتثيبه من جنس ما حرمته منه!
بعد قرون وقرون أنظر وينظر الجميع ليروا ما لا يمكن تخيله، وهنا نأتي إلى صلب الألوهة وسرّ الألوهة، والإيمان وسرّ الإيمان، فتنافس العلم والإيمان بالعلم والألوهة هو الميدان، ولا يمكن الوصول إلى الغاية المطلقة بالسعادة الإنسانية إلا بالعلم، والعلم التجريبي، وإلى جانبه علوم الإنسان، وهذا الجزء من العالم الذي نعيشه لم يستطع خلال القرون المتطاولة أن يخرج من قوقعته وفهمه، ولا يزال واحدنا يعود مرات إلى بيت الخلاء ليتأكد من دخوله بالقدم اليسرى أم اليمنى! ولا يزال أحدنا يسأل إن كان الحمام الكامل يغني عن الوضوء الجزئي أم لا! يسأل والعالم يصعد سنوات ضوئية في الميدان العلمي!
هل أومن بالمؤامرة لأقول إن فهمنا للألوهة زرع منذ البدايات بهذه الطريقة لنبقى أمة غير مؤمنة بالدرجة الأولى، وغير متحضرة بالنتيجة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن