ثقافة وفن

كتاب: أمراؤنا الأعزاء جداً هل هم أصدقاؤنا حقاً؟ كيف تمول دول الخليج الإرهاب.. ودول المال في شراء الغرب؟

| سوسن صيداوي

«إن الخطيئة التاريخية الكبرى التي ندفع ثمنها اليوم تكمن في الدعم الغربي للمملكة السعودية، إن هؤلاء الناس ليسوا أصدقاء لنا، إنما هم نبع السمّ» هذه الجملة التي رددها جهرا الكاتب سليمان رشدي وهو من جملة المفكرين الذين يحققون في قضايا المملكة الوهابية. العبارة وردت في مقدمة كتاب «أمراؤنا الأعزاء جداً هل هم أصدقاؤنا حقا» الصادر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، ترجمة الدكتور منصور نجم حذيفي، بواقع ثلاث مئة صفحة تسلط الضوء على ما يعانيه الشرق الأوسط من دعم للإرهاب وكيف المملكة العربية السعودية وقطر هما الممول له. الكتاب من تأليف كريستيان شيسنو وجورج مالبرينو اللذين سعيا من خلال تحقيقهما إلى الإجابة على يطرحه الرأي العام الفرنسي من أسئلة: هل تموّل كل من السعودية وقطر فعلاً داعش ومجموعات إرهابية أخرى؟. ما دورهما في نشر الأفكار السلفية في أوساطنا؟. وما ماهية العلاقات التي تربطهما يإسلام فرنسا؟. هل يجب إعادة النظر بتحالفاتنا مع هذين البلدين، كما يطلب ذلك بعض المسؤولين؟. أراد المؤلفان من بحثهما تسليط الضوء بعيداً عن الخلط والتكرار الممجوج على الفروقات المهمة بين هذه المملكات. ومن الواجب فضح لعبهم على الحبال في بعض الملفات، أما في ملفات أخرى يقيمون فيها علاقات متينة مع بعض رجال السياسة الفرنسيين، فإنه لا يمكن إلقاء اللوم عليهم وحدهم. متابعين بأن بحثهما قادهما إلى السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وفي باريس اطلعا على وثائق رسمية وبرقيات دبلوماسية ومذكرات لوزارة المالية والخزانة بشكل خاص. قام المؤلفان ومن دون أي انحياز بدخول كواليس العلاقة بين فرنسا وهذه البلدان وهي علاقة قديمة ومعقدة، لكنها ملوثة منذ عقود بهذا المال المتدفق.

تورط ساركوزي في السعودية
عن الكلام في التأليف، الفرنسيون تعوزهم البراعة أحياناً في التعامل في سوق الخليج. «لكن السعوديين يعبرون في معظم الأحيان عن عقوق، هذا ما أسف له شاهد مطلّع من كثب على مجريات الأمور، وذلك كل ما قدمناه لهم من عرابين المحبة المتعددة». أضاف هذا الشاهد الذي ركز بشكل خاص على فترة رئاسة نيكولا ساركوزي ما بين 2007-2012، التي قام خلالها بما لا يقل عن ثلاث زيارات للمملكة العربية السعودية. بعد رفض الحليف الأميركي للطلب السعودي عندما عبّرت السعودية عن حاجتها لصور من الأقمار الصناعية لتحديد الأهداف التي ستقوم بضربها داخل اليمن. استدارت السعودية تجاه باريس، حيث استجاب ساركوزي للطلب السعودي. أدلى عسكري فرنسي، شاهد على المساعدة التي تقدمها فرنسا للسعودية، بشهادته قائلاً «تم تنفيذ طلعات لطيران استطلاع لمواقع الحوثيين مخالفة للقانون الدولي وذلك بواسطة طائرات حربية تقلع من الإمارات العربية المتحدة أو من فرنسا». لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، فلقد ذهبت فرنسا بدعمها للحرب السعودية على الحوثيين أبعد من ذلك، وبحسب صناعي فرنسي«احتاج السعوديون، عام 2009 إلى ما يسمى الجواذب، أي معدات للطائرات المطاردة كي تستطيع توجيه ضرباتها على الأهداف، وهي عبارة عن أجهزة إرسال يقوم عملاء متسللون بوضعها على أرض العدو. إن من يعطي الأمر بتقديم هذه المعدات المتطورة جداً هو رئيس الجمهورية، وقد أجاب ساركوزي فوراً بالإيجاب للطلب السعودي. استأجر السعوديون عدداً من اليمنيين للقيام بعملية نصب أجهزة الإرسال التي تم تقديمها بعد الضوء الأخضر الذي أعطاه ساركوزي، فأعطت المساعدة الفرنسية أُكُلها في مواجهة المتمردين اليمنيين».

التنوع الجغرافي للتمويل السعودي للجوامع في فرنسا
أكد السفير السعودي في باريس خالد الأنكاري، خلال استجوابه أمام لجنة من مجلس الشيوخ الفرنسي أن بلاده مولت رسمياً ثمانية جوامع على الأراضي الفرنسية. وبيّن أن المساعدات السعودية «تراوحت ما بين مئتي ألف وتسعمئة ألف يورو لكل مشروع» وهكذا بلغ المجموع الإجمالي للمبالغ التي دفعتها السعودية حتى عام 2011 حوالى ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف يورو. خلافاً للفكرة الشائعة لم تقم السعودية أبدا بإرسال أي إمام لتعليم الدين في الجوامع التي قامت بإنشائها في فرنسا، اللهم ما عدا شهر رمضان حيث يتم دعوة عدد من قارئي القرآن رسمياً. هناك العديد من الجوامع في فرنسا، مُولت من الصناديق الخاصة السعودية، فجامع ليون قد بني من خزينة الملك فهد الخاصة. وهناك جوامع قام بتمويلها رجال أعمال كما هي الحال في جامع مدينة ديجون. هنا حطّنا الجمّال، حيث نلامس لبّ المشكلة:إن نسخة الإسلام التي تسعى السعودية لنشرها غير متسقة مع المنظومة القيمية للجمهورية، وينظر إليها بأنها متطرفة، لا بل متعصبة(طائفية) من كثير من المسلمين، على حين أن السعودية تعتبرها تجسيدا للإسلام الأصلي والحقيقي طبقا للأصول.

هل يموّل الأمراء الإرهاب؟
«آن الأوان لأن يقوم السعوديون، والقطريون، والكويتيون، والآخرون بمنع مواطنيهم من تمويل المنظمات المتطرفة»؛ هذا ما أعلنته مرشحة الديمقراطيين للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، وذلك بعد ساعات قليلة من مجزرة أورلاندو التي أوقعت تسعة وأربعين قتيلا في الثاني عشر من حزيران2016، قام بتنفيذها شخص من أصل أفغاني أعلن ولاءه للدولة الإسلامية في ملهى ليلي للمثليين. أضافت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة إنه «يجب أن يتوقف هؤلاء عن دعمهم للمدارس والمساجد المتطرفة التي تسبّبت بوضع العديد من الشبان على سكة التطرف في جميع أنحاء العالم». إن السيدة كلينتون في وضع يمكنها من معرفة الأشياء على حقيقتها، لذلك أدانت في برقية دبلوماسية لها عام 2009 ما سمته «التعاون السيئ جداً» لقطر في محاربة تمويل الإرهاب.

الكويت مركز لتمويل الجهاد
«الكويت أصبحت مركزا لجمع المال لمصلحة المجموعات الإرهابية في سورية» هذا ما حذر منه، منذ نيسان 2014، نائب وزير المالية الأميركي دافيد كوهين. يتصدر هؤلاء الممولين ثلاثة أساتذة في قسم الشريعة بجامعة الكويت هم «البروفسور حامد العلي، حجاج العجمي، شافي العجمي، ورجل الأعمال حكيم المطيري. تم جمع الأموال في الكويت إما نقداً أثناء انعقاد الديوانيات وإما مباشرة على حسابات مصرفية عبر أرقام الواتس آب على الإنترنت التي أفلتت من رقابة أجهزة الأمن. لم تكن السلطات الكويتية لتمارس أي رقابة على ممولي الجهاد، وذلك حتى بداية عام 2013حيث وتحت ضغط الأميركيين انتفضت القيادة الكويتية وعلى رأسها أميرها الشيخ صباح. «أما عن ردة الفعل الأميركية، فقد عبرت وزيرة الخارجية الأميركية عن ارتياحها للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الكويتية في مراقبة وضبط جمع الأموال من المنظمات الخيرية، بما في ذلك مراقبة نقل هذه الأموال إلى مستفيدين دوليين، وضبط الهبات عبر الانترنت». اكتفت السلطات الكويتية باتخاذ أنصاف الحلول. بالتأكيد فرضت السلطات الكويتية في آذار عام 2015 منع مغادرة للأراضي الكويتية بحق شخصين من تابعية أجنبية وجمدت ممتلكاتهم. لكن في المقابل لم تتخذ السلطات الكويتية أي إجراء بحق شخص ثالث من الجنسية الكويتية اسمه مدرج على القائمة السوداء للأمم المتحدة كممول لجبهة النصرة. «ويعترف أحد المسؤولين الكويتيين بأنه من الصعب فعل أكثر من ذلك، لأن هؤلاء الأشخاص متجذرون في قلب المؤسسة، ويسيطر الإسلاميون على وزارتي التربية والنفط، إضافة إلى كون العديد من الممولين ينتمون إلى صفوف المعارضة، وإذا ما واجهناهم فيجب توقع عقابيل خطرة».
البدو مصابون
بالفصام في بلاد الله
لم تهب رياح الربيع العربي فوق شبه الجزيرة العربية، باستثناء البحرين واليمن. لقد اشترى أمراء الخليج خلال عقود خلت السلام الاجتماعي بأموالهم الطائلة من البترودولار والغاز. استجوب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه السفير الفرنسي في الرياض برتران بوزاستنو، خلال محاضرة كان هذا الأخير يلقيها في معهد العالم العربي بباريس بشهر نيسان2011، متسائلاً: «متى سيحصل الربيع العربي في العربية السعودية؟» وكان جواب الدبلوماسي: «سيدي الوزير، لماذا تود أن يكون هناك ربيع في بلد صيفها دائم؟». ما يجعل هذه المجتمعات متماسكة عبر عوامل ثلاثة وهي البترودولار والعشائر والإسلام، وتساهم هذه العوامل في تأمين الاستقرار السياسي والاجتماعي.

مجرمو الصحراء
وجاء في الكتاب أن السعودية هي بلد الإحباطات والممنوعات، يسود فيها الرياء وتجري الأمور بالخفاء خوفاً من الأغلال الوهابية. فالمسافة شاسعة جداً بين الأخلاق الدينية المفروضة على عامة الشعب في المملكة وبين سلوك الأمراء، وبالنسبة لتهريب الكحول يتابع المؤلفان هي تجارة مربحة جدا، تباع زجاجة الويسكي في السعودية بعشرة أضعاف ثمنها: فمثلاً ثمن زجاجة الويسكي عند شرائها يكون ثلاثين يورو، تباع في المملكة بثلاثمئة يورو. وذلك مع أن القرآن الكريم لا يمنع بيع الكحول إنما يمنع الثمالة، لأنه في عهد الرسول الكريم كان يُصنع الخمر من النخيل في مكة، لكن التفسير الوهابي هو الذي منع اقتناء واستهلاك الخمر. يطلق الأمراء العنان لأنفسهم في فناءات قصورهم بشتى الاحتفالات، ويصف القنصل الأميركي إحدى تلك الليالي الملاح التي حضرها في جدة، بأنها ليلة من الليالي الحمراء التي يتخللها «الجنس والمخدرات والروك أندرول». توضح سجلات الجمارك في المطارات السعودية أن عقوبة أي شخص يضبط معه مخدرات هي الإعدام. لكن لم تمنع هذه التحذيرات بعض أمراء المملكة من أن يكونوا مهربين!.

تجدر الإشارة
الكتاب مازال غنياً بالكثير من المواضيع والعناوين التي تلخص ما يدور في عمق المملكة السعودية، وما تحيكه في سياساتها الداخلية والخارجية إضافة إلى اقتصادها، نحن سلّطنا الضوء على بضع نقاط، والبقية تأتي بمتابعتكم لها عبر قراءة الكتاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن