قضايا وآراء

انتظار وعود دي ميستورا

| مازن بلال 

لم يكن المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، متفائلا طوال مهمته المعقدة، وعندما يطلق تصريحات عن تحولات في التفاوض خلال الشهر العاشر؛ فهو يبني على انفراجات نوعية مختلفة عما هو متوقع، فالمسألة ربما لا تتعلق بما يشهده «وفد الهيئة العليا للتفاوض»، أو حتى على النجاح في المباحثات الماضية التي تجلت بجمع المعارضة لأول مرة على طاولة واحدة، فالتحول الجوهري هو في المقاربات الجديدة تجاه الصراع على سورية، وهذا الأمر يبدو غامضاً حتى اللحظة، ومع «شح» التصريحات من الجانب الأميركي، هناك تثبيت للوجود في شمال شرقي سورية يجعل من الصعب تلمس مسار جديد في العملية السياسية.
لكن اللافت أن تصريحات دي ميستورا أبعدت مؤتمر جنيف زمنياً، وهو مؤشر على أن الفرق التقنية لروسيا والولايات المتحدة تعمل على تثبيت واقع عسكري لتفاهماتها، فنقاط الخلاف بينهما لا تتبدد ولكنها تدخل ضمن إدارة مختلفة للتشابك بينهما، فما حدث في منطقة حوران يؤكد أن تجميد الصراع في هذه المنطقة نجح في تجاوز الامتحان الأساسي، ومكن الجيش السوري من الوصول إلى الحدود الأردنية؛ ما يتيح إمكانية التفاهم مع «عمان» التي تلعب دوراً أساسيا في الاتفاقات العسكرية القائمة حاليا.
عمليا فإن الاحتمالات التي يتحدث عنها دي ميستورا تنصب في هذا الاتجاه، فالتعويل على مسألة الجنوب سيغير بشكل جذري من طبيعة التمثيل في جنيف، وإذا صحت توقعاته فإن وفد «الهيئة العليا للتفاوض» سيبقى ولكن بأهداف جديدة تخدم التوجه نحو تفكيك الصراع في الجنوب الغربي لسورية، ولكن هذا الأمر لا يكفي لإعادة إنتاج العملية السياسية، فكلام المبعوث الدولي يوحي بـ«طفرة» في التفاوض وهو أمر يتطلب التطرق لموضوعين: الأول هو مسألة جبهة النصرة في مدينة إدلب، وهذه المسألة فيها عناصر معقدة مرتبطة بتركيا، وبتصفية الدور القطري نهائياً في الأزمة السورية.
أما الموضوع الثاني فيتعلق بـ«النصرة» نفسها وإيجاد تفاهم دولي لمحاربتها، فبعكس الفصائل في الجنوب تبدو «هيئة تحرير الشام» أي «النصرة» سابقا، متمردة على أي وصاية إقليمية رغم امتلاكها لعلاقات مع قطر، وهي أيضاً تعبر عن كتلة قوية يصعب تفكيكها من دون تفاهم دولي، فالرهان الأساسي بالنسبة لدي ميستورا هو الوصول إلى حد أدنى للموضوعين السابقين ما يتيح الدخول بقوة للعملية السياسية، على حين يُترك الموضوع الكردي لتفاهم آخر لأنه يرتبط بوضع إقليمي عام وبتوزيع النفوذ الأميركي الروسي في شرقي المتوسط عموما.
تبدو إمكانية التحول في عملية التفاوض ممكنة نظريا، ولكنها تحتاج أيضاً لزخم آخر في إطار التمثيل السياسي الذي يمكن أن يذهب نحو إعادة رؤية المنصات القائمة، فهي حتى الآن تعبير عن مبادرات انطلقت أساسا خارج عملية التفاوض، سواء في القاهرة أو موسكو، وانتقالها من «المبادرة» إلى «المشروع» يحتاج إلى جهد إضافي على مستوى الداخل السوري، فما هو أكثر أهمية من التمثيل إيجاد عوامل نجاح مشروع سوري يضمن بيئة للاستقرار، ويحقق مستقبلاً «سيادة ووحدة الأراضي السورية» التي نصت عليها كل القرارات الدولية.
يبدو دي ميستورا متأكداً من نجاح مهمته بعد أربع سنوات من العنف، ولكن هذا النجاح مازال مرهوناً بالعلاقات الداخلية للسوريين وبنجاح نهوض مشروع للمستقبل وليس الاعتماد فقط على مبادرات تم إطلاقها في ظروف داخلية ودولية مختلفة كلياً عن الواقع الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن