ثقافة وفن

«الوطن» تنفرد بالحديث عن حفيد يوسف العظمة

| شمس الدين العجلاني

لم يعرف جده البطل يوسف العظمة، لم يتقن اللغة العربية، لم يعش في دمشق، كل ما لديه ذكريات من جدته منيره ووالدته ليلى التي توفيت باكراً، وما رواه آل العظمة له من قصص وحكايا.
لم ينقطع عن زيارة دمشق هو ووالدته ليلى، ودمشق كانت وفيه معه ومدت يد العون له ولوالدته..
و حين اشتَدَّ ساعِدُهُ أخذ يقرأ عن تاريخ سورية ومعركة ميسلون وشهيدها البطل يوسف العظمة.. ولم يكتف بذلك بل اقتنى مجموعة كبيرة من الصور والجرائد والكتب القديمة التي تروي حكاية بطل وشهيد من بلادي، حكاية جده يوسف العظمة.. إنها حكاية حفيد يوسف العظمة التي سنرويها بالكلمة والصورة..
من حفيد يوسف العظمة؟
هو جلال الدين أشار الابن الوحيد للتركي جواد أشار وليلى العظمة، والده من تجار الأجواخ في تركيا، ولد جلال عام 1943 م، وحين توفيت والدته ليلى «توفيت ليلى بمرض السل حسبما أعلمني أحد معارفها منذ أيام « كان عمره بحدود خمس سنوات، فعاش بكنف والده وجدته لأمه وعائلته في تركيا، توفيت جدته منيرة التركية الأصل «زوجة يوسف العظمة» عام 1971م ودفنت بتركيا، وكانت «منيرة» قد تزوجت في استانبول، بعد سنوات من استشهاد زوجها يوسف العظمة ومغادرتها دمشق، من رجل سياسي ورزقت منه بأربعة أولاد.
نشأ جلال الدين ودرس وتعلم في تركيا، فكانت دراسته الأولى في مدرسة «جالاتا سراي» وهي مدرسة ثانوية من أهم مدارس تركيا، ثم تابع دراسته في المعهد العالي التجاري، وهو يعمل الآن في التجارة حيث تخصص بتجارة المطابع وأجهزة الطباعة المختلفة، ويتقن اللغتين الفرنسية والتركية فقط.
تزوج جلال الدين ورزق بابنتين الأولى اسمها ليلى، والثانية اسمها أيلا «وتعني بالعربية ليلى» وليلى ابنة جلال الدين موظفة في بنك بمدينة استانبول، أما «أيلا» فهي خريجة أكسفورد، وهي تتقن إضافة إلى التركية كلاً من الإيطالية والإنكليزية، على حين تتقن ابنته ليلى الإنكليزية والتركية.
يقيم جلال الدين في استانبول بمنطقة اسمها ترابيا تقع شمال القسم الأوروبي وتطل على البوسفور، وتعتبر من أفضل المناطق في استانبول من حيث الطبيعة، على الرغم من بُعدها عن وسط استانبول.

جلال الدين ودمشق
يروى عن شاهد عيان أن جلال الدين على الرغم من بعده عن وطن جده وأمه، لكن أواصر المحبة لسورية مزروعة في عقله وقلبه، وأهله في دمشق لم ينقطعوا عن التواصل معه ومع ليلى يوسف العظمة.. ويذكر جلال الدين من أسماء عائلة العظمة، ممن كان يحضرون لتركيا لزيارتهم، نبيل وعادل العظمة مع زوجاتهم..
و مع مرور الأيام لعبت ظروف الحياة ومشاغلها دوراً في تقطيع أواصر التواصل، فمثلا ليلى يوسف العظمة كانت تحضر بين الفينة والأخرى إلى دمشق، وفي عام 1946م أرسلت برقية تهنئه إلى المجلس النيابي السوري بمناسبة جلاء المستعمر الفرنسي عن الأراضي السورية، وقبل وفاتها في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي قامت بزيارة دمشق، واجتمع معها في منزل مصطفى نعمت عباسي، الكائن آنذاك في بناء كسم وقباني، صديق قديم لي، ومصطفى نعمت عباسي هو من ضباط الجيش العثماني، ثم التحق بالجيش العربي الفيصلي، وعُين حاكماً عسكرياً، فرئيساً لمجلس الشورى العسكري، فمديراً للأشغال العامة في حلب، فمديراً لدرك الاتحاد السوري، فعضواً في مجلس الشورى بالدولة السورية.
و جلال الدين سبق أن حضر إلى سورية زمن رئاسة شكري القوتلي، والتقى الرئيس القوتلي، ويروي جلال الدين لشاهد عيان، أن القوتلي بكى عندما قبله.
في عام 1952م شارك جلال الدين أشار ووالده في احتفالات عيد الجلاء بدمشق، واهتمت الدولة السورية بزيارته، وقام مع الوفد الرسمي العسكري والسياسي بزيارة ضريح جده الشهيد يوسف العظمة، ووضع إكليلاً من الورد على الضريح باسمه.

الصحافة وجلال
تناقلت الصحف السورية الصادرة في شهر تموز من عام 1952 م خبر زيارة حفيد يوسف العظمة إلى دمشق للمشاركة في عيد الجلاء، وزيارته لضريح جده، ومن هذه الصحف، صحيفة الإنشاء لصاحبها ورئيس تحريرها وجيه الحفار، فقد ذكرت في عدديها رقم 3809 و3810 ليوم السبت 26 تموز والأحد 27 تموز 1952م زيارة جلال الدين، وقيام الزعيم فوزي سلو والوزراء وكبار الموظفين والشخصيات ورجال الصحافة والعلم وحفيد الشهيد «جلال الدين أشار» بزيارة ضريح بطل ميسلون الخالدة ووضعوا أكاليل من الزهور على ضريحه..
و على صفحتها الأولى أوردت صحيفة بردى لصاحبها ومديرها المسؤول منير الريس في عددها رقم 313 الصادر يوم 25 تموز 1952م، أن الزعيم فوزي سلو رئيس مجلس الوزراء قام يوم 24 تموز وفي الساعة الخامسة مساء يرافقه الوزراء ومحافظ العاصمة وممثل رئاسة الأركان العامة وقائد الدرك العام والمدير العام للشرطة والأمن وقائد درك محافظة دمشق والمرافق العسكري، وكبار الموظفين ورجال الصحافة وأل العظمة وحفيد البطل بزيارة ضريح الشهيد يوسف العظمة ووضعوا أكاليل الزهور.
وأيضاً أوردت صحيفة الفيحاء لصاحبها ورئيس تحريرها المسؤول سعيد التلاوي على صفحتها الأولى يوم الجمعة 25 تموز 1952 الخبر نفسه.
وأيضاً كتبت جريدة العاصي في عددها رقم 267 تاريخ 14 تشرين الأول 1946 تحقيقاً عن حفيد يوسف العظمة.

وأخيراً
قد أجزم أن هذه المعلومات والصور التي وردت عن حفيد يوسف العظمة والتي حصلت عليها بعد البحث الطويل وعلى مدار أيام طويلة وبمساعدة عدة أصدقاء، قد أجزم أنها أول مرة تروى على صفحات جرائدنا.
ودائماً يخطر في بالي سؤال، لم أحصل على جواب له، ألا وهو: حين غادرنا الشهيد البطل يوسف العظمة إلى جنات الخلد، ألم يترك بعضاً من المال؟ ألم يترك منزلاً على سبيل المثال؟ ترى هل استفادت ابنته ليلى وزوجته منيره من إرث تركة الشهيد؟ وهل أخذا قيمة منزل يوسف العظمة الكائن في منطقة المهاجرين والذي أضحى الآن متحفاً للشهيد؟ ومن هذا المنزل خرج يوسف العظمة مجاهداً ومدافعاً عن أرض الوطن، ولم يعد إليه؟
ترى ألا يحق لنا المطالبة بعوده رفاة ليلى يوسف العظمة لحضن الوطن؟؟؟؟
«إن اجْتَهَدْتَ فَأَصَبْتَ فَلَكَ حَسَنَتَانِ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن