قضايا وآراء

أوروبا العجوز والأخطار الداهمة: الإرهاب، أزمة الديون، والتفكك

د. قحطان السيوفي : 

المشهد الأوروبي، وخاصة في منطقة اليورو، يشير إلى خطرين كبيرين يهددان مشروع وحدة واستقرار أوروبا؛ شبح الإرهاب، وخطر التفكك. ففي الوقت الذي تستفيق فيه فرنسا على عمل إرهابي بشع نفذه مواطن فرنسي إرهابي من داعش كانت نتيجته قطع رأس صاحب شركة فرنسي… كانت أزمة الديون اليونانية تتفاعل؛ رئيس وزراء اليونان الشاب اليساري (أليكسيس تسيبراس)، الذي يتمتع بشعبية في بلده، فقد ثقة شركائه الأوروبيين الذين فاوضهم لمدة خمسة أشهر ثم فاجأهم بالدعوة لاستفتاء شعبي على خطة إصلاحات كانت قيد التفاوض… وقال اليونانيون (لا)، بأغلبية (61%)، للإصلاحات التي طلبها قادة منطقة اليورو من حكومة اليونان… وقابل دائنو اليونان نتيجة الاستفتاء بقلق وغضب… وإذا لم يتم الاتفاق بين الدائنين والحكومة اليونانية، خلال أيام، ستدخل اليونان في مزيد من الفوضى المالية والاقتصادية… وزير مالية اليونان المستقيل (فانس فاروفسكي) شبه الدائنين لليونان بالإرهابيين!! ورئيس وزراء اليونان اتهمهم بأنهم متطرفون، ومحافظون، يبتزون اليونان.
الدائنون من المرجح أن يتخذوا مواقف متشددة لأنهم يعتقدون أن جميع دول منطقة اليورو يجب أن تطبق قواعد مشتركة… بالمقابل يشعر الألمان، بشكل خاص، بالغضب لأنهم يقرضون المال لليونان… وتقابلهم وسائل الإعلام اليونانية باتهامهم بالنازية. من ناحية أخرى. هناك تيار في ألمانيا يرغب بخروج اليونان، والتخلض من منطقة سياسية شعبوية. لكن خروج اليونان يؤدي إلى خسارة ألمانيا (87) مليار يورو… اليونان لا تزال تقول (لا) للاتفاق القديم، وألمانيا تقول (لا) لأي شيء آخر. زيادة قلق القادة الأوروبيين مصدره الخوف من إيجاد سابقة سيئة ذات تكاليف سياسية بانزلاق اليونان إلى فوضى اقتصادية، وتحولها إلى دولة فاشلة… ما يؤدي لإضعاف المشروع الأوروبي الضعيف أصلاً. الدين العام اليوناني يبلغ حالياً (198%) من الناتج الإجمالي، وهو الأكبر في الاتحاد الأوروبي، ونسبة الدين في ايطاليا (130%) وفي فرنسا (100%). اقتصاد اليونان حالياً لا ينهار فقط، بل إنه يحتضر حسب فاينانشال تايمز. رئيسة صندوق النقد الدولي (لاغارد) تقول (بضرورة إعادة هيكلة ديون اليونان، حتى يكون لليونان دين قابل للاستمرار) معاكسة بذلك موقف الأوروبيين. لكن القادة الأوروبيين يرفضون تخفيف الدين، طالما لم تقبل أثينا إجراءات التقشف التي يتم التفاوض حولها. وأوقف البنك المركزي الأوروبي القروض الطارئة للبنوك اليونانية عند (90) مليار يورو. الكاتب (مارتن وولف) رأى في (الفاينانشال تايمز)؛ أن منطقة اليورو بمنزلة (منطقة للتضامن)، لكن الأوروبيين الآخرين ينظرون للتضامن المبني على التزامات متبادلة، ويرون أن اليونانيين ارتكبوا خطأً لذلك لا يستحقون البقاء في منطقة اليورو حسب رأيه… رئيس المفوضية الأوروبية (جان كلود يونكر) لم تستبعد خروج اليونان من منطقة اليورو إذا لم تقدم الحكومة اليونانية (خطة ذات مصداقية). كتب الاقتصادي (جيفري دي جاكسون) في الفاينانشال تايمز (أن أوروبا تقترب اليوم من حافة الانهيار بفعل الأوغاد المغرورين… والفساد ، والمشاعر الهازئة من المصرفيين، والساسة).
هناك وجهة نظر تنادي بخروج اليونان من منطقة اليورو، وبقائها في الاتحاد الأوروبي، مع الحد الأدنى من الألم. وذلك بإعفاء اليونان من بعض دينها مقابل خروجها من اليورو. وهذا الحل يبدو منطقياً من وجهة نظر سياسية واقتصادية. ولكن حلاً كهذا سيفضي إلى صعوبات كبيرة بسبب إعادة عملة اليونان القديمة (الدراخما) وقد يقود اليونان إلى أزمة اقتصادية أكثر حدة… ويمكن العثور على مصلحة مشتركة في جعل خروج اليونان من منطقة اليورو أمراً غير مؤلم كثيراً قدر الامكان وتجنب السيناريو الأسوأ… وذلك لتخفيف المعاناة عن الشعب اليوناني العادي وإيجاد نموذج للبلدان الأخرى لتحذو حذوها مستقبلاً، وخاصة أن استفتاءً أشار إلى أن (16) دولة من أصل (19) عضواً في منطقة اليورو لا تعارض خروج اليونان، والدولتان المؤيدتان لبقاء اليونان هما (فرنسا، وإيطاليا).
حل أزمة اليونان يحتاج لخطوات جريئة بين المدين والدائن. الواقع المتردي يقتضي أن يعتبر كل من قادة منطقة اليورو، وحكومة اليونان أن التصويت بـ(لا) فرصة لإعادة التفكير في مشروع اليورو الفاشل… أخيراً فإن المشهد العام لأوروبا العجوز يشير إلى قلق بل خوف من الأخطار المحدقة بمشروع منطقة اليورو غير الناضج، بدءاً من إمكانية خروج اليونان، من جهة؛ وخطر الإرهاب العالمي الذي تدعمه بعض دول منطقة اليورو بشكل مباشر أو، غير مباشر… (كفرنسا هولاند) التي تبحث عن حل لأزمتها الاقتصادية بالتوسل، والتسول لبيع السلاح لبعض الدول النفطية الداعمة للإرهاب (السعودية، وقطر). وهاهو الإرهاب بدأ فعلاً يضرب أوروبا… وستبقى دول الاتحاد الأوروبي محكومة بالخوف من الإرهاب العالمي… كما ستستمر الأزمة المالية تعصف بمعظم اقتصادات دول أوروبا من اليونان إلى إسبانيا، وإيطاليا… وصولاً لفرنسا… وفي حال خروج اليونان من منطقة اليورو سيؤدي ذلك لانعكاسات جيوسياسية سلبية لا تقتصر آثارها فقط على أوروبا… اليونان تقف اليوم على باب الخروج؛ وخروجها هو الوضع الافتراضي، هذا ما سيحدث إذا لم يتم التوصل إلى حل للخروج من المأزق الحالي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن