ثقافة وفن

حكاية عملية

| د. اسكندر لوقــا

عندما ينظر أحدنا إلى مخ الإنسان، لا بد أن تقفز إلى ذهنه الأسماء التي طالما عانى حفظها أيام الدراسة الإعدادية والثانوية حيث هاهنا الشق الذي يسمى «شق رولاندو» وهاهنا المادّة الرمادية لقشرة المخ وهاهنا المادة البيضاء وهاهنا الأقسام التي تتشكل منها المنطقة الحركية أو المناطق الحسية، وإلى غير ذلك من الأسماء التي يصعب تذكرها بعد مرور ساعة الامتحان، فكيف بعد مرور سنوات عديدة؟
المهم ليست الأسماء المعروفة في سياق هذه الوقفة، وإنما الأسماء غير المعروفة، وبالتالي أسماء المراكز الموجودة في سطح المخ التي تحرك أفعالا ونوازع عديدة منها، على سبيل المثال، الحقد والكراهية والغيرة والجشع وحب الذات والتملك وسوى ذلك من النوازع التي تشوه صورة الإنسان إلى حد تجريده أحياناً حتى من إنسانيته.
ومن المعروف لدى الأطباء اليوم، كما بالأمس، أنه يمكن، بعملية جراحية، تعطيل بعض الوظائف الحركية أو الحسيّة لدى الإنسان وذلك عن طريق التدخل الجراحي في المخ. ومن هنا يطرح السؤال نفسه لماذا لا تتجمع تلك المراكز التي تسيء إلى الإنسان في موقع واحد على المخ حتى يتم استئصالها دفعة واحدة قبل أن تستفحل أخطارها؟
إلى حين الإجابة عن هذا السؤال، سيبقى قائما، إلا إذا أمكن للأطباء في المستقبل القيام بعملية تجميل المخ وتنظيفه، على غرار تجميل الشفاه والأنوف وباقي أجزاء الجسم حين اللزوم.
في الزمن الذي نعيشه، ويؤرقنا على مدى سنوات، بنتيجة الحرب المشنونة علينا، لا بد من الاعتراف بأن مخ الإنسان الحالي بات بحاجة إلى عمليات لا إلى عملية واحدة، لاستئصال الأماكن المصابة بنوازع الشر، بكل أشكاله وبكل أسمائه المعروفة حتى يصبح الوطن للجميع لا للفرد المصاب بآفة في المخ، ويحتاج إلى أطباء مختصين في معالجة ما يصيب مخ الإنسان من أمراض.
أتذكر هذه المسألة اليوم، بعد أن وقعت عيني على ورقة كنت قد احتفظت بها بين أوراقي منذ عام 1959 وفيها حادثة اصطدام بين دراجة نارية وسيارة يقودها سائق أرعن، وقد كاد راكب الدراجة يفقد حياته قبل أن ينقل على عجل إلى المستشفى وفي أذنيه يتردد صدى أحد الشهود على الحاثة وفيها أن الأمل كبير في نجاته إذا ما تمكن الأطباء من إجراء عملية في المخ.
اليوم، ونحن نعاني السيارات التي تسير أمام أعيننا بجنون، ترانا نحتاج إلى مختصين بتنظيف المخ قبل أن يستفحل خطره على الرغم من وجود الشاخصات المتعلقة بهذا الشأن في شوارع المدينة؟

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن