ثقافة وفن

دور المرأة السورية فاعل.. وعليها أن تكون متفهمة للوضع … ماجدة فروج لـ«الوطن»: زواجي المبكر لم يمنعني نيل الشهادة الجامعية

| سوسن صيداوي

هاجس العلم يبقى مرافقا للنسبة الواعية من الناس، لأنهم مدركون بأنه نور يضيء الدروب ويجعلها معبّدة وسالكة، بالرغم من كل الأفخاخ والحفر، وغيرها من العقبات التي يتحايل بها القدر على المرء كي لا يواصل مسيره. ممن يتحدّون القدر، ويرفضون الرضوخ لواقع روتيني، بل على العكس يسلّمون أنفسهم لركب الطموح. سيدة سورية… هي نموذج صادق لحسن التربية والأخلاق، زواجها المبكر والعيش النمطي لم يثنها عن عزيمتها في متابعة تحصيلها العلمي، وليس أيّ تحصيل، بل هو فرع فيه الكثير من الإبداع والابتكار، إنها ماجدة فروج المرأة السورية التي تحدّت كل من حاول تكسير صلابة عزيمتها «كونها من مجتمع ريفي» واحتوت نفسها بقدراتها وبتصميمها وواجبها كزوجة وعاطفتها كأم لأربعة أولاد، لتتابع وتتخرج في كلية الفنون الجميلة بعد انقطاع عن متابعة الدراسة دام أكثر من خمسة عشر عاما، وبالفعل تخرجت في زمن قياسي وهو أربع سنوات، لتكمل ما عاهدته مع نفسها بأن تكون رقما صعبا في الحِرف التي مارستها وفي الدراسة وفي الفن والإبداع، وفي العمل الإنساني في تعليم الأطفال. صحيفة «الوطن» التقت السيدة وإليكم الحوار….
الانقطاع عن الدراسة ثم القرار بالعودة لمتابعتها، أليس أمرا صعبا… حدثينا عن هذه المرحلة؟
بعد أن حصلت على الشهادة الإعدادية تزوجت من ابن عمي، ولأن مسؤوليات الزواج والعائلة من الأمور الصعبة والمرهقة، وبسبب عدم قدرتي حتى على التفكير في متابعة دراستي، بقي العلم هاجسي، حتى عام 2007 حيث تقدمت لامتحان الشهادة الثانوية متشجعة من ابني البكر «خالد» الذي كان سيتقدم هو أيضا، ونجحت، وعلى الفور تقدمت لامتحان القبول في كلية الفنون الجميلة، ولأنني بالأساس أمتلك موهبة الرسم، وأمارسها بفطرية من دون أن أصقلها بأي دروس خاصة أو حتى الالتحاق بأي معهد، هذا إضافة إلى أن مجموعي العام في شهادة البكالوريا كان قليلاً، لكل تلك الأسباب لم أنجح في امتحان القبول في كلية الفنون. هذا الأمر لم يقصني عن رغبتي، بل على العكس زدت إصرارا وعزيمة، وتقدمت إلى معهد «أدهم إسماعيل»، وسجلت في كل الدورات ما عدا الأخيرة، وطبعا جعلتني الدورات مدركة لأخطائي التي كنت أرتكبها في الرسم، وزودّتني بمعرفة أسباب فشلي في امتحان القبول في كلية الفنون.
ألم تكتف بأول محاولة للانتساب إلى الكلية… والدراسة في المعهد؟
لا.. على العكس، بعدها بثلاث سنوات عندما كانت ابنتي «مروة» ستتقدم لنيل الشهادة الثانوية، هذا الظرف شجعني كي أكرر المحاولة، ولكن هذه المرة بقوة، وأتذكر في تلك السنة كان أطفالي كلهم في مرحلة الحصول على شهادات، فمنهم من يستعد للبكالوريا ومنهم من يستعد لتحصيل الشهادة الإعدادية، وابني في سنة تخرجه من معهد الفنون التطبيقية. أما أنا ففي هذه المرة كان تحصيل علامتي أفضل، وتقدمت إلى فحص القبول في كلية الفنون، ونجحت، وكان اسمي من بين العشرة الأوائل.

هناك فرق كبير بين جيلك وجيل الشباب الذي يدرس في الكلية.. هذا الأمر كيف أثر فيكِ؟
عندما بدأت الدوام في الكلية كنت بعمر ثمانية وثلاثين عاما، وقلت في نفسي بأنني سأتخرج وأنا بعمر اثنين وأربعين. وبالنسبة للسؤال… بالفعل في أول شهر دوام، شعرت بكآبة كبيرة، فالجو جديد، وهناك فرق كبير بين عمري وعمر الطلبة الزملاء الذين بعمر أولادي، ولكن ما شجعني وجود سيدتين من جيلي تقريبا، هذا كلّه في كفة، وفي الكفة الأخرى كنت أخشى مجاراة الزملاء بالأفكار المبتكرة والمتطورة. ولكن مع مضي الشهر الأول بدأ شعوري يتغير وبدأت أندمج بالأجواء الجديدة، لأن جهدي بدأ يُقابل بالتشجيع من الدكاترة والأساتذة في الكلية، ولابد لي من الذكر، بأن التشجيع الأكبر كان من «محيي الدين فيلون» الذي كان يدرّسنا الإعلان/اختصاص الاتصالات البصرية، وكان له الفضل الأكبر في استمراري. طبعاً بدأت أقطف نجاحاتي في المشاريع المطلوبة خلال سنوات الدراسة، وحصلت على درجة من النادر أن يحصل طالب عليها وكانت تسعين بالمئة. أحمد الله أنني كنت من المتميزين في الأقسام كافة، كما قوبلت مثابرتي بمراعاة عمري وعدم قدرتي على تقديم مشروعي على الكمبيوتر، فتمّ استثنائي من الموضوع، وقدمت المشروع بالطريقة اليدوية، وتخرجت بمعدل جيد جدا، وحققت الصوت الذي كنت دائما أقوله في داخلي بأنني سأتخرج في الجامعة خلال أربع سنوات.
النجاح لا يأتي من فراغ.. ما العوامل التي صادفتك وكانت مسبّبا في نجاحك؟
بطبعي أنا ميّالة جدا للفنون والأعمال اليدوية وفي الفترة التي انقطعت فيها عن الدراسة كنت أتطور مهنيا، فبعد زواجي أحضرت ماكينة «تريكو» بيتية، وتعلّمت حياكة الصوف، ثم أحضرت ماكينة صناعية، وجهزت غرفة في منزلي كورشة، وبقيت سبع سنين تقريبا أمارس هذه الحرفة، حتى قررنا أن نؤسس معمل خزف، كان لدينا المكان وأحضرنا أشخاصاً يتمتعون بالخبرة، وعلموني صناعة الخزف، طبعا أعجبت بهذه الحرفة، ولأن المشغل لنا، لم يكن لدي أي خوف بأن أحطم أو أخرّب أي قطعة، بل كان قلبي قويا وبدأت بتشكيل الخزف وتلوينه، وفي أوقات كثيرة عند غياب الرسام ولضرورة تجهيز البضاعة، كنت أقوم بعمله.
في هذه المرحلة أين دورك كأم وربة منزل؟
الظرف المكاني سهّل علي العمل، كان سكني مقابل الورشة، وفي تلك الفترة أنجبت أصغر أولادي ابنتي «ميرنا»، أتذكر كان عمرها شهراً عندما عدت للعمل، حينها كنت أضعها على الطاولة بقربي وأقوم بالرسم على القطع الخزفية. أطفالي كانوا صغارا وكان من السهل أن أنظّم وقتي بين المنزل والورشة، وكل شيء بالتخطيط والتنظيم يصبح أسهل. لهذا منذ عشرين عاما وحتى اليوم مازلنا نعمل في مهنة الخزف التي كانت من المراحل التي جعلتني أتمسك بميولي الفنية وبتصميمي على متابعة دراستي في الجامعة.
الدعم النفسي له تأثيره في المتابعة أو التقاعس عنها.. ما رأيك؟
صحيح… أشكر الله بأنّ الجو من حولي كان إيجابيا، وأمر طبيعي أن نصادف السلبيين، الذين يحاولون دائما بث الإحباط في نفوسنا، وبالفعل منهم من لديه الكلام المزعج وهذا صادفته في فترة تقديمي لشهادة البكالوريا، ومنهم من كان يردد أمامي ومن دون أي حياء المثل الشعبي المعروف «بعد الكبرة جبة حمرة»، وبالرغم من انزعاجي منهم، إلا أن كلامهم خلق عندي تصميما أكبر. وبالنسبة للإيجابيين، زوجي وأولادي شجعوني كثيرا، وحتى زوج أختي «عاطف» أيضا ساندني لأنه يحب العلم ويقدره كثيرا، وبالطبع أمي وإخوتي، وحتى اللحظة زوجي يساعدني ويؤمن لي فرص عمل، ويشجعني على حضور المعارض والمتابعة في عملي.
هل ورث عنك أولادك حب العلم والفن؟
لدي أربعة أولاد، اثنان منهم ورثا حبي وموهبتي في الرسم، فابنتي «مايا» لديها الموهبة وترسم «الانيميشن» كهواية فقط وهي في السنة الثانية في كلية الاقتصاد. بينما ابني «خالد» أحبّ مهنة الخزف وتعلّمها في ورشتنا وتابع الموضوع من خلال دراسته بانضمامه إلى معهد الفنون التطبيقية بقسم الخزف، ودرّس فيه كما شارك في معارض وفعاليات، وفي الوقت الحالي هو في ألمانيا لمتابعة دراسته. ابنتي «مروة» خريجة كلية الاقتصاد حاصلة على شهادة الماجستير وتسعى للحصول على الدكتوراه. وابنتي الصغيرة «ميرنا» في السنة الثانية في كلية الصيدلة.
في الوقت الحالي تشغلين نفسك بالعمل الإنساني وفي تعليم الأطفال النحت.. حدثينا عن هذا؟
خبرتي في الفن والصلصال والتشكيل فتحت لي الأبواب كي أشارك في جمعيات «كاليونيسيف» و«الأونروا»، كما شاركت بالتعاون مع ابني في فعاليات ومعارض وورشات في دار الأوبرا، وفي الفترة الحالية أعمل مع جمعية «نور» المهتمة بأطفال الإيواء، وأعلمهم مادة النحت والتشكيل في الصلصال.
من خبرتك كيف تنعكس الأزمة على نفسية الأطفال وتفكيرهم؟
في كل شهرين تقريبا تكون لدي مجموعة من الأطفال مكونة من عشرين طفلا، ومن العامين الماضيين وحتى الآن، ألاحظ وجود خمسة أو ستة أطفال، يكون فيهم التأثر بالأزمة واضحا، فمنهم من يشكلّون التوابيت والقبور والشواهد، وعند سؤاله يقول «هذا قبر خالي الشهيد أو قبر أقاربي»، حتى إنهم يشكلون وجوها حزينة أو دمعة على الوجه. ومرة كان موضوع الدرس «عمالة الأطفال»، لقد فاجأني قربهم من الواقع وانعكاس مآسيه عليهم حتى فيما شكلوه من قطع ومجسّمات تعبّر عن الحالة. أحب عملي هذا لأنني أم أولا، وثانيا من إيماني بالدور الكبير لهذه الجمعيات، وبالتعاون مع بعضنا في بذل كل ما أمكن، كي نُخرج أطفالنا مما انفرض عليهم من خوف وعدم استقرار على الصعد كافة.
أنت كنموذج للمرأة السورية ماذا تقولين لها وللمجتمع من خلال تجربتك؟
في هذا الوقت دور المرأة فاعل، وعليها أن تكون متفهمة للوضع العام وأن تقوم بتوعية أطفالها ودفعهم للتمسك بالعلم وبحب الوطن، وأن تجنبهم صور العنف، كما عليها أن تشعر بالغيرة البناءة من الأخريات والتي تطوّر المرأة نحو الأفضل وألا تهتم بالقشور والأمور الظاهرية الزائلة. وبالنسبة لمجتمعنا تحكمه الكثير من العادات والتقاليد الظالمة والبالية، ولكن أتمنى من الرجل أن يساند المرأة سواء أكانت أمه أم أخته أم حتى ابنته، وألا يمنعها من متابعة طموحها، بل على العكس أن يساعدها بفتح الآفاق لها. وأخيرا لابد لي من القول بأنني طوال سنوات الأزمة التي مرت، لم أفقد الأمل أو التفاؤل رغم كل الأسى والحزن الذي مزق البلد، ولدي الإيمان الكبير بأننا سنتجاوز كل ذلك فسورية سنقوم بإعمارها من جديد بهمة شبابها وشبّاتها الواعين وستعود أفضل مما كانت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن