قضايا وآراء

خيانة الوطن

| كميل نصر

الفشل يكون دائماً حبيس نفس صاحبه الذي يحاول قدر المستطاع إخفاءه عن الناس، في زمن أصبح فيه الخطأ مباحاً والخيانة وجهة نظر ومبدأ من مبادئ حقوق الإنسان وبوابة الديمقراطية.
الخيانة صفة نكرة لمن خان الأمانة والعهد، فباء بغضب على غضب، هي جريمة بشعة ووصمة عار تلاحق صاحبها أينما حل وارتحل، وللخيانة أوجه مختلفة ومتعددة، لكن عندما يتعلق الأمر بالوطن، لا فرق بين الخطأ والخيانة، لأن النتيجة واحدة لا تغتفر، ومن يقدم عليها يستحق أقصى العقوبات، ثمنها كبير يجب أن يتحمل عبأه من باع ضميره وأدار ظهره للوطن.
بيع الوطن والتآمر عليه ضلال مبين وخيانة عظمى، أكبر مما تتحمله أي نفس، لأن كل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد مسوغاً لفاعله، إلا خيانة الوطن لا مسوغ لها.
قد يلصقها البعض بمفهوم العامية، فقط بمن ارتمى في أحضان العدو، لكن ليس هو الخائن الوحيد، بل هناك أوجه كثيرة لممتهني هذه الحرفة المنبوذة منها: سرقة المال العام، زرع القبلية، التآمر على الوطن، إفشاء الأسرار العامة، عدم أداء الواجب كالخدمة الوطنية، العمالة والتجسس، التقصير في العمل وإهمال الممتلكات العامة، وكل ما من شأنه أن يمس بوحدة وأمن الوطن، ويقول عز وجل: «إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً» سورة النساء آية 104.
الخيانة آفة من الآفات وكارثة من الكوارث، هي عدم المروءة، ومن ليس له مروءة يمكن أن يبيع عرضه وشرفه، لا مسوغ لها ولا شفاعة لمرتكبها مهما كانت منزلته ومهما كان السبب الذي يدفع لها، فهي في خانة النفاق، لها وجهان مختلفان قد يستغلهما الصديق والعدو معاً، قد يمتطيها السياسي الصديق لتوزيع صكوك الوطنية، وإلصاق التهم بمن يخالفه الرأي، أو من أجل منفعة خاصة، أما استغلال العدو لها فلا يُعدّ ولا يحصى، وتضاعف الكارثة إذا كان من يخون لا يدري أنه خان ولا يحس بقذارة الوحل الذي غرق فيه.
قد نختلف في أفكارنا ومصالحنا، وقد يظلمنا من يسيّرون شؤون بلادنا وأبناء جلدتنا، لكن الوطن لا يظلم أبناءه، وما من عُرف أو دين يسوغ خيانته، ومرتكبها ستناله يد العدالة في يوم من الأيام وسيلحق العار بنفسه وبكل من حوله بنظرات الناس لهم، لكن للأسف هناك من يرضون لأنفسهم بيع الضمير والشرف والتعاون مع أعداء الوطن والتاريخ والحقيقة، لينالوا الخسران والعار والخجل في الدنيا والآخرة، رؤوسهم مشدودة إلى الأرض كالنعاج.
ثمن الخيانة كبير والارتماء في أحضان العدو سقوط حر وانتحار لا مسوغ له، ومن تخون وطنك لمصلحتهم، ينظرون إليك كشخص حقير تافه، لا يثقون بك ولا يحترمونك، من يبع وطنه فقد يبيع أوطان الآخرين، أين أنت من ذلك الشهيد الذي ضحى بنفسه في سبيل رفعة شأن وطنه ليغدو بطلاً شهيداً شامخاً كالجبال؟
كلمة الوطن جامعة لمعان كثيرة لا يمكن حصرها، والمعنى الكامل الذي يتفق الجميع عليه هو أن الوطن عبارة عن المكان الذي تحفظ فيه الكرامة ويصان فيه العرض، إن حب الوطن من الأمور الفطرية، فليس غريباً أن يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه وشب على ثراه، وترعرع بين جنباته، لكن الغريب والضال وغير المقبول خيانته، يذهب كل شيء ويبقى الوطن.
عندما نرى وفاء الحيوان يصعب علينا حال البشر، حب الوطن فرض والدفاع عنه شرف، ووطن لا تحميه لا يحق لك أن تعيش فيه.

عضو المكتب التنفيذي لاتحاد علماء بلاد الشام والرئيس الفخري لملتقى الأسرة السورية

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن