الأولى

الإمبريالية الجديدة

| تيري ميسان 

يؤكد الإستراتيجي الأميركي توماس بارنيت أنه لكي تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها على العالم، يتعين عليها شطره إلى قسمين: دول مستقرة، تتمثل في أعضاء مجموعة «جي8» وحلفاؤهم من جهة، وبقية العالم الذي يعتبر مجرد خزان بسيط للموارد الطبيعية، من جهة أخرى.
وخلافا لسابقيه، لا يعتبر بارنيت الوصول إلى هذه الموارد مسألة حيوية بالنسبة لواشنطن، ويطرح بدلا من ذلك استحالة وصول الدول المستقرة إلى تلك الموارد الطبيعية، من دون خدمات جيوش الولايات المتحدة. ويضيف: لذلك، من الضروري أن ندمر بشكل منهجي جميع هياكل الدولة في خزان الموارد هذا، حتى لا يستطيع أي شخص، يوماً ما، أن يعارض إرادة واشنطن، أو يتعامل مباشرة مع الدول المستقرة.
تدمير هياكل الدولة في ذلك الخزان يعني رميها في الفوضى، وهو مفهوم مقتبس عن الفيلسوف ليو شتراوس، ولكن بارنيت يعطيه هنا معنى جديداً.
يرى المفكر اليهودي، أن الشعب اليهودي لم يعد بوسعه الوثوق بالديمقراطيات بعد فشل جمهورية فايمار، والمحرقة، وأن السبيل الوحيد لحماية نفسه من نازية جديدة، هو إقامة دكتاتوريته العالمية الخاصة به، من أجل الخير بطبيعة الحال، ولتحقيق ذلك، لابد من تدمير بعض الدول المقاومة، وإغراقها في الفوضى لسنوات، ثم إعادة تشكيلها وفقاً لقوانين جديدة.
هذا تماما ما ورد على لسان وزيرة خارجية أميركا الأسبق غوندليزا رايس خلال الأيام الأولى من الحرب على لبنان عام 2006 عندما لاح في الأفق أن إسرائيل ذاهبة إلى النصر، بقولها: «أنا لا أرى مصلحة في الدبلوماسية إذا كانت ستعيد الأوضاع إلى سابق عهدها بين إسرائيل ولبنان، وأعتقد أن ذلك سيكون خطأ، ما نراه هنا، بشكل أو بآخر، هو بداية آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد، ومهما فعلنا، ينبغي أن نكون على يقين من أننا ندفع باتجاه ولادة شرق أوسط جديد، وأننا لن نعود إلى القديم».
على العكس من كل ذلك، الآن يرى بارنيت أنه لا ينبغي الاقتصار على إغراق الشعوب المقاومة بالفوضى وحدها، بل يجب أن يشمل ذلك كل أولئك الذين لم يصلوا إلى مستوى معين من التنمية الاقتصادية، وعندما يغرقون في الفوضى، يجب الحفاظ عليهم داخلها.
بالنسبة لبارنيت، يجب الامتناع عن شن الحروب على دول معينة لأسباب أيديولوجية، بل على مناطق من العالم، لأنها ليست مندمجة في النظام الاقتصادي العالمي.
وبطبيعة الحال، يجب أن نبدأ ببلد أو بآخر، وتشجيع انتقال العدوى إلى بلدان مجاورة، وصولاً إلى تدمير كل شيء، كما يحصل الآن في الشرق الأوسط الموسع.
الحرب مستمرة حالياً مع دخول المدرعات إلى تونس وليبيا وسيناء مصر وفلسطين وعين الحلوة ورأس بعلبك في لبنان وسورية والعراق والقطيف في السعودية والبحرين واليمن وديار بكر في تركيا وأفغانستان.
هذه هي بالضبط السياسة التي اعتمدت منذ هجمات 11 أيلول 2001، ولم تنته أي من الحروب التي أطلقت منذ ذلك الحين الآن.
وهكذا، فإن العنف يقتل منذ 16 عاماً المزيد من الأفغان كل يوم، وإن إعادة بناء دولتهم، التي كنا نزعم أنه قد تم التخطيط لها على غرار ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، لم يحصل.
ما وراء الإرادة الفعلية للرئيس الأميركي دونالد ترامب في القطيعة مع هذه الإستراتيجية في الشرق الأوسط الموسع، تكمن إرادة أخرى لوزارة الدفاع، ويجب علينا أن ندركها تماماً، مواصلة ذلك النهج في أميركا اللاتينية، وإمكانية إعادة إطلاقه هنا ثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن