قضايا وآراء

المشروع القومي والعقل العربي

| نبيل الملاح

إن الواقع العربي المؤلم الذي نعيشه، نتحمل نحن جميعاً مسؤوليته حكاماً ومحكومين في مختلف المراحل التاريخية التي مرت، حيث إننا ساعدنا في تنفيذ المخططات التآمرية الصهيونية والاستعمارية، إن كنا ندري أو لا ندري.
لقد استسلمنا لواقع الجهل والتخلف الذي ساد في مجتمعاتنا العربية، واقع كرسته أنظمة الاستبداد التي استغلت الدين في خدمة الحاكم المستبد والولاء المطلق له من خلال المقولات والتفسيرات التي أطلقها بعض فقهاء وعلماء الدين خلافاً لجوهره ومقاصده، وأثرت تأثيراً قوياً في تكوين العقل العربي الذي أنتج نوعين من الناس: الأول يتمتع بتفكير سليم، والثاني غير سليم أو محدود، وللأسف فإن نسبة النوع الثاني هي الغالبة رغم تزايد عدد المثقفين الذين يتخرجون في الجامعات ويحملون شهادات عالية، إلا أنهم لا يحملون فكراً نيراً ولا ثقافة هادية ولا يستطيعون أن يناقشوا مشكلة بطريقة صحيحة.
ما سبق يوجب إعادة النظر بالمناهج التربوية والتعليمية والبرامج الثقافية لتأهيل أبناء المجتمع ليكونوا ذوي تفكير سليم يتمتعون بالعلم والثقافة معاً، فالثقافة هي العمق الفكري للإنسان، وعلينا أن ندرك أن الضمير يُبنى بالتربية والتعليم وأيضاً بتكريس القيم والمبادئ الأخلاقية التي أقرتها الرسالات السماوية والتجارب الإنسانية، وأن الضمير يتأثر بشكل كبير بالوعي، فكلما زاد الوعي قوي الضمير وتوازن.
هذا يدعونا أيضاً إلى ضرورة ربط السياسة بالأخلاق وليس بالمصالح فقط، وإطلاق عملية سياسية وثقافية كبيرة تدشن العمل على مشروع نهوضي جديد لا مكان فيه للفصل بين السياسة والأخلاق، هذا المشروع الذي من دونه يصعب انتشال مجتمعاتنا العربية من الحالة اليائسة التي وصلت إليها.
ورغم أنني لست من الذين يدعون إلى إقصاء الإسلام السياسي المعتدل الذي يؤمن ويقر بالدولة المدنية الحديثة، إلا أنني أؤمن أن يبقى الدين ديناً وأن يتم فصل الدين عن الدولة وألا نجعل من الدين أيديولوجيا تتنافس مع بقية الأيديولوجيات.
أتساءل: ألا يمكن أن تتوصل النخب الوطنية من المفكرين إلى «خلطة» من المفاهيم الأيديولوجية المختلفة الليبرالية والاشتراكية والقومية تؤدي إلى صياغة أيديولوجيا محددة تناسب بلداننا ومجتمعاتنا، وتكون الأساس النظري للمشروع القومي العربي؟ وعلى هؤلاء أن يقودوا حرب العقل ضد الجهل والانقياد الأعمى بسلاح الديمقراطية التي تبقى السلاح الأمضى لكونها تحمل روح المساواة والإخاء وحرية الرأي والتعبير والاتحاد.
علينا أن نتذكر أن تاريخ العرب بمجمله كان تاريخاً مجيداً، ولا يجوز أبداً أن نعكس صورة اليوم على تاريخ العرب.
وأيضاً لابد من التركيز على حاجتنا إلى فقه جديد في الشريعة الإسلامية لإحياء علم مقاصد الشريعة وأهدافها وثوابتها، ورسم معالم هويتنا العربية الإسلامية الأصيلة، وذلك انطلاقاً من أن القرآن هو القاعدة، وفقه القرآن هو التطبيق، فالقرآن هو كلام رب البشرية، وفقه القرآن من فهم البشر، ولا حرج من النظر إلى مقصود النص وروحه من دون التمسك بحرفيته، وعلينا أن ندرك أن بعض الأحاديث النبوية قد تعرضت لسوء الفهم وسوء التأويل وسوء التطبيق، وقد حرفها بعضهم عن معانيها ومواضيعها التي أرادها رسول الله، وتمسك آخرون بحرفيتها من دون الوصول إلى جوهرها وحقيقتها.
لماذا لا يقوم علماء المسلمين بمراجعة ما وصل إليه فهم السابقين، كما يقوم به المشرعون بإعادة النظر بالقوانين في كل عصر وحين؟ وأذكر ما قاله شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب: «علماء الدين عندما يطالبون بالاجتهاد والتجديد ترتعش عقولهم قبل أيديهم».
أعود إلى المشروع القومي العربي الذي أصبح اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، «مشروع الضرورة» في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها العرب والمسلمون، فعالم اليوم لا يقيم اعتباراً للكيانات الصغيرة والضعيفة، وأصبحت لغة المصالح هي السائدة في العلاقات الدولية.
إن العروبة مواطنة وليست تعصباً قومياً، وإن الدعوة إلى الكيان العربي الواحد الموحد لا تعني إطلاقاً المس بحقوق الأقليات والقوميات الأخرى، لكن هذا المشروع تفرضه حقائق التاريخ والجغرافيا والأكثرية الكبيرة للعرب في جميع الدول العربية.
فلنبدأ بالعمل على تكوين العقل العربي السليم الذي من دونه لن نتمكن من تحقيق المشروع القومي العربي، فلا خلاص للعرب إلا بتحرير العقل العربي، ولا مستقبل لهم إلا باتحادهم، وهذا ليس بالمستحيل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن