ثقافة وفن

ماريو فارغاس يوسا: أدباء اليوم تحولوا إلى مخادعين…أخشى انتفاء مفهوم النخبة في عصر الديمقراطية ما يؤدي إلى فجور ثقافي

 إعداد: مها محفوض محمد : 

لقبه بلزاك أميركا اللاتينية، ذاع صيته في عالم الأدب بعد روايته الأولى «المدينة والكلاب» التي نال عليها عدداً من الجوائز تتالت بعدها رواياته وجوائزه «من ضمنها جائزة ثرفانتس للآداب عام 1994» إلى أن حاز جائزة نوبل للآداب عام 2010 بعد نحو ثلاثين عملاً بين رواية ومسرحية ودراسة من أهمها «البيت الأخضر»، «امتداح الخالة»، «حرب نهاية العالم»، «حفلة التيس» وآخرها «البطل الخفي».
الروائي الصحفي والسياسي البيروفي ماريو فارغاس يوسا (مواليد البيرو 1936) يعد من أعظم أدباء أميركا اللاتينية أبدع في جميع أعماله التي تميزت بنزعة التغيير للمجتمع، فلم يتوقف عن الدفاع عن حقوق الإنسان كما قدم وصفاً رائعاً في رواياته لبلاده والتي مزقها العنف والتعصب وركز على حقيقة الحياة فيها، ولا تنفصل عنده السياسة عن الأدب وبرأيه فإن الأديب يمكن أن يقوم بدور سياسي مهم وكان قد رشح نفسه لانتخابات الرئاسة في البيرو عام 1990.
العمل الأخير له صدر عام 2012، وهو أول عمل بعد نيله جائزة نوبل، كتابه «حضارة الاستعراض» الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الثقافية حيث نشر يومها باللغتين الإسبانية والإنكليزية، وفيه يطرح يوسا واقع المثقف الذي تحول إلى فوضى، إذ لم يعد الزمن زمن المثقفين إنما زمن استعراض وتضليل وإن ثورة الاتصالات والعولمة سوف تجرف العالم نحو الانحطاط الثقافي فينطلق الكاتب في حرب ضد التفاهة الفكرية «تفاهة المثقفين» وصلافة السياسيين ووقاحتهم وانحطاط الفن في اللهو والتسلية وفي ذلك يقترب يوسا من أدباء آخرين طرحوا الفكرة ذاتها مثل الكاتب الأميركي جورج ستاينر وغي ديبورد الذي يرى أن قراءة مجتمع الاستعراض ضرورية جداً، حيث تسيطر السلعة في جوانب الحياة من خلال الاستعراض الذي يصّر على تحويل البشر المنتجين إلى متفرجين سلبيين وغيرهم من الأدباء الذين يؤكدون اليوم تراجع القيم الديمقراطية في المجتمع الغربي وأن المثقف لم يعد قادراً على قول الحقيقة وهذا ما تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي دومينيك لوكور في كتابه «المثقفون التافهون» وكان فرويد قد نشر كتابه «قلق في الحضارة» منذ عام 1930 ليعبر أدباء اليوم عن قلقهم من اللاحضارة أو اللاثقافة من ثقافة مضادة هدفها تدمير كل ثقافة، ففي كتابه «حضارة الاستعراض» يؤكد يوسا أننا نعيش اليوم في حضارة، ثقافتها التسلية واللهو والابتعاد عن أي جهد وتعب أي هي استعراض وليست حضارة، فينتقد الكاتب المساحات الواسعة التي تفسحها الصفحات الثقافية في المجلات والنشرات لعالم الأزياء والطبخ، حيث أصبح مصممو الأزياء والطهاة هم النجوم بدلاً من الكتاب والعلماء والفلاسفة أليست حضارة الكارثة كما يشير؟
يقول ماريو يوسا: صحيفة لوموند الفرنسية وهي من أهم الصحف العالمية كادت تعلن إفلاسها في الأعوام الأخيرة لولا أنها بدأت تخصص مساحات للتسلية للنكتة ثم للخبر ثم للتفاهة والفضيحة وهذا ما تنتهجه كل وسائل الإعلام الكبرى في العالم من دون استثناء كي يتسنى لها إثبات وجودها فتقدم الأخبار استعراضاً بطابع مثير ويلتبس الحق بالباطل كما يحدث في عالم الخيال.
وبمناسبة نشر الكتاب باللغة الفرنسية مؤخراً تحدث يوسا إلى مجلة لوبوان الفرنسية عن تسميته الكتاب «حضارة الاستعراض» قائلاً: هو استعراض من دون حضارة، فكلمة ثقافة تغير معناها جذرياً عبر جيلين أو ثلاثة إذ كان لدى العالم فيما مضى إجماع حول ما نسميه «الثقافة العليا» من آراء وفنون وعلم الجمال، اليوم يدور الإجماع حول فكرة أن الثقافات جميعها متساوية، فلم تعد الثقافة مرادفاً لفكر نقدي لحكم جمالي إنما أصبحت ثقافة لهو وتسلية بعيدة عن أي نقد حقيقي، أما الثقافة الأكاديمية الجامعية فلا تزال صامدة لكنها معزولة عن المجتمع، بينما ثقافة عامة الناس هي التلفزيون والمسلسلات لتصبح الظاهرة إجمالية انتشرت عدواها في جميع قارات العالم وبين كل الطبقات.
لم يعد هناك دمقرطة للثقافة إنما للجهل لا لثقافة اليوم حتى بين النخب نجد أناساً سعداء بما هم عليه من جهل بتذوق الأدب والفنون، لقد تضاءل تأثير المثقفين في المجتمعات اليوم ولا ننسى انحدار المستوى الفكري والأخلاقي لدى النخب السياسية، أعتقد أن السياسة هي مفتاح كل شيء، وعلى الروائي ألا يبتعد عنها لقد ترشحت للرئاسة مع أنها لم تكن ميولي ولم تكن قدري، ومنذ ذلك الحين أعيش في إسبانيا كشاهد ملتزم أدافع عن الأفكار الليبرالية ليس كعقيدة إنما كهدف، لقد منحت جائزة نوبل للآداب لأنني دافعت عن الحرية عبر الأدب وجائزة نوبل بالأصل تم استيحاؤها من قيم اليسار المضبوطة سياسياً وأنا آخذ على عاتقي أني مع جماعة القرن التاسع عشر من الليبراليين الفرنسيين ومع كارل بوبير وجان فرانسوا ريفيل عبر أبحاثي ورواياتي.
اليوم علينا التوضيح أن هناك الكثير من أشياء الماضي يجب الحفاظ عليها في عالم الغد مثل حق الاختلاف، التراتبية، النخب ودورها وأمور أخرى من حقنا أن يكون لدينا ردود أفعال تجاهها، فأنا أريد الحفاظ على ما هو نادر وقيم وسط هذا اليباب الثقافي الذي وصل إليه العالم المستعرض.
وعن سؤال: إلى ماذا يخدم الأدب يجيب يوسا:
الأدب غذاء للروح المتمردة والإبقاء على الحس النقدي ومناقضة أنَّ العالم متقن وأن المجتمع يسير كله بشكل جيد، الأدب الحقيقي هو الرافض دوماً لزمن الخلط والفوضى، الأدب يساعد على فهم الحياة فهو يعيدنا إلى الماضي ويجعلنا نشعر بالانتماء لتجربة البشر الغنية المتراكمة عبر العصور، فهو أعظم إنجاز للثقافة وكان المحرك الحقيقي للتطور التاريخي والمدافع الأكبر عن الحرية، واليوم هو ضروري أكثر من أي وقت مضى لأنه ينبهنا يوقظنا يدل على عيوبنا لكن للأسف كثير من أدباء اليوم تحولوا إلى مخادعين يحاولون إغماض عيوننا كما نغمض عيون الأطفال حين تنويمهم، والرواية لم توجد لتجعلنا نحلم بل لتوصّف حالة الفوضى والخواء الذي يسود العالم، وما أخشاه هو انتفاء فكرة وجود النخب وأن النخبة يجب أن تختفي لدى البعض في عصر الديمقراطية ما يشكل التباساً كبيراً وهذا يقود الفكر ليس إلى الحرية بل إلى فجور ثقافي.
وعن سؤال ما الشخصية في الرواية لكاتبها؟ يجيب يوسا:
هي إسقاط لذاته، للعنة الموجودة في داخله لكنها أيضاً صورة عن الكائنات المحيطة به والكاتب ليس بالأمر السهل عليه أن يكون تحت رحمة شخصياته كما أن الأدب يدفعنا إلى النرجسية وإلى الاستعراء، فالروائي يقوم بدور متواضع لكنه بالغ الأهمية وغير محدود إذ لا يتحدث عن نفسه إنما يتحدث بصوته وسيرته الخاصة عن العالم حيث يقود صراعه ضد الفوضى والالتباس.
وما وجعك اليوم؟ يجيب يوسا: الفساد البطيء للعقول والمؤسسات، الصفاقة التي تقول: ما فائدة الجمال؟ والحقيقة غير موجودة كل ذلك يتساوى عند الذين يقلعون عن التفكير. وتلك مهمة الأدب أن يذكرنا بمقدار ما تكون الأرض التي نقف عليها صلبة وبمقدار ما تكون ألوان المدن التي نعيش فيها براقة يعني أن الشياطين تنتظرنا في كل مكان.
ولماذا تكتب؟ لأني غير سعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن