قضايا وآراء

تاريخ التقسيم لن يعيد نفسه مرة أخرى

| تحسين الحلبي

يزداد سنة تلو أخرى عدد الخطط الإسرائيلية والبريطانية والأميركية التي تعلن عن ضرورة إعادة النظر بحدود وكيانات الدول التي أسسها الاستعمار الفرنسي والبريطاني حين احتل بلاد الشام والعراق في اتفاقية سايكس بيكو وقسمها إلى عدد من الدول بعد إعطاء الحركة الصهيونية فلسطين.
حين يحاول المرء البحث في موقع «غوغل» عن هذا الموضوع بالإنكليزية، تطالعه على الفور أعداد كبيرة من هذه الخطط التي تستهدف بشكل خاص تقسيم سورية ولبنان والعراق، وإعادة تشكيل حدود الأردن بطريقة يجري فيها تصفية قضية الشعب الفلسطيني وتذويبها، وتعد الخطة التي نشرها مجلس اللوردات البريطاني في نيسان الماضي أثناء توصياته لسياسة الحكومة البريطانية للعام 2016-2017، من الوثائق الرسمية فتحت عنوان: «الشرق الأوسط: آن الأوان للواقعية الجديدة» نرى في هذه الوثيقة أن التقسيم الذي فرضته بريطانيا وفرنسا بدعم أميركي في صيغة اتفاق سايكس بيكو، لم يعد قابلاً للاستمرار ولم يعد الواقع يصلح له، لأن الواقعية الجديدة بعد مرور قرن على تقسيم العالم العربي، تفرض الآن إعادة تجزئة وتقسيم دول وكيانات الشرق الأوسط على أسس مذهبية ودينية وإثنية.
مركز «موشيه دايان للدراسات الإستراتيجية» كان قد أصدر ما يزيد على ثلاثة كتب بالعبرية والإنكليزية تضع في صفحاتها توصيات وتفاصيل عن ضرورة إعادة تقسيم الدول المجاورة لإسرائيل، وحمل أحد الكتب عنواناً يجب أن يشعل الأضواء الحمراء في كل العالم العربي وهو: «القبائل والدول وفي شرق أوسط متغير» عام 2016 بقلم عوزي رابي، وكتاب آخر في العام نفسه بعنوان: «من أسوان إلى النهضة: النيل ومصر وأثيوبيا» يتطرق إلى عناصر النزاع المقبلة بين مصر وأثيوبيا، ويذكر أن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل كان قد نشر كتاب «الدولة اليهودية» بالألمانية عام 1896 ووزعه على الدول الاستعمارية في أوروبا تمهيداً لعقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 أي بعد عام من صدور ذلك الكتاب.
وإذا كانت الولايات المتحدة والغرب المتحالف معها تسعى إلى إعادة التاريخ بطريقة أشد وحشية ومأساوية من تاريخ تقسيم سايكس بيكو وسلخ فلسطين لمنحها كدولة للحركة الصهيونية، فإن هذا الزمن الذي نعيش فيه وظروفه ليست زمن وظروف سايكس بيكو ووعد بلفور نفسها، من الناحية الإقليمية المحيطة بسورية والعراق ولبنان، ولا من الناحية الدولية التي وفرت في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 تقسيم العالم العربي واقتسامه بين فرنسا وبريطانيا رغم أن الخطة الأميركية الغربية الصهيونية لا تسعى فقط إلى إعادة تجزئة دول وكيانات سياسية مستقلة فقط بل إلى توسيع سلخ أراض عربية من دول مثل العراق بشكل خاص وإخراجها من السيادة العراقية لنقل التجربة نفسها إلى سورية بطريقة غير مسبوقة.
في الواقع الموجود الآن في الشرق الأوسط قوة إقليمية كبيرة ترتبط بمصالح شعوبها الإستراتيجية وهي التصدي لجميع خطط التقسيم والتجزئة ومقاومة أي حلول يراد فرضها على مصالح شعوب هذه الدول وهي سورية والعراق وإيران والمقاومة اللبنانية في لبنان والمقاومة الفلسطينية التي تتمسك بحقوق شعب فلسطين والدفاع عنها.
وعلى المستوى الدولي هناك تحالف يربط بين هذه القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة وبين موسكو وبكين وحلفائهما، وهذان العاملان: القوة الإقليمية الكبرى والتحالف الدولي، لم يكونا موجودين في عصر سايكس بيكو عام 1916 ولا في عصر وعد بلفور الذي أخرج فلسطين عن خريطة الدول العربية لتصبح «إسرائيل».
من الواضح أن الخطة الأميركية الغربية الصهيونية تعتمد في تنفيذها على حلفاء عرب وغير عرب محليين، وتدفع بهم إلى واجهة صدام مع دول شقيقة وصديقة يخدم المصالح الإسرائيلية والأميركية.
لكن ميزان القوى الإقليمي العسكري في المنطقة يختلف تماماً في هذا القرن عن القرن الذي تحالف فيه بعض الزعماء العرب مثل فيصل الأول وشقيقه عبد الله وآل سعود مع بريطانيا على تقسيم الوطن العربي والتخلي عن فلسطين، فالزمن لم يعد يعمل أيضاً لمصلحة كل من يتواطأ مع الغرب وإسرائيل خصوصاً بعد أن ظهر للشعوب العربية أن ما يسمى «الربيع العربي» هدفه توظيف الزعماء الحلفاء التاريخيين لبريطانيا وأميركا في خطة تقسيم سورية والعراق ولبنان، وهذا ما يعزز دور هذه الشعوب من مصر إلى تونس والجزائر واليمن في مجابهة حلفاء بريطانيا وأميركا وإحباط مخطط التقسيم الذي تريده إسرائيل حسب «القبائل» أيضاً!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن