قضايا وآراء

العملية السياسية.. بدايات جديدة

| مازن بلال

لم يكن إخفاق مؤتمر الرياض حدثاً مستغرباً، فهو لقاء ظهر على خلفية تردد جميع المشاركين في الذهاب إلى العاصمة السعودية، وكشف منذ البداية عن عجز سياسي لإيجاد مساحة مختلفة في عملية التفاوض، فإعادة تجميع المعارضة الذي يعتبر مطلباً دولياً، تكشف خللاً بنيوياً في طريقة العمل داخل العملية السياسية، وبدت المنصات التي اجتمعت في الرياض وكأنها تحاول تلبية مطلب دولي، لكنها غير قادرة على العمل في ظل الشكل الجديد الذي يريده المجتمع الدولي، فالوفد الواحد هو مشروع الحد الأدنى من التوافقات فيما بينها، في وقت لا يقدم الواقع أي مؤشرات على هذا التوافق.
البداية الحقيقية لاجتماع الرياض كانت خلال الجولة الأخيرة في جنيف، حيث استطاع المبعوث الدولي، ستيفان دي ميستورا، جمعها من دون برنامج واضح في مسألة إنجاز الوفد الواحد، لكن هذا التجميع كان يخضع لشرطين هما من صلب التمثيل السياسي لهذه المنصات:
– الأول: إن هذه الوفود كانت تعبر عن «مبادرات» انتهت إلى صيغة في إنشاء وفود للتفاوض، وباستثناء «وفد الهيئة العليا للتفاوض»، فإن منصتي موسكو والرياض وقبل ذلك أستانا وحميميم، هي بمجملها منبثقة عن مباحثات لتقديم اقتراحات للتفاوض، وامتازت بشكل عام بأنها لا تطرح حلا بل مقترحات لتسهيل الوصول إلى حل.
عملت المنصات خلال السنوات الثلاث الماضية على تثبيت آلية للتوصل إلى توافقات، ورغم كل التناقضات فيما بينها فإنها بمجملها كانت تعمل على إيجاد توازن في مواجهة وفد «الائتلاف» المدعوم دوليا وإقليميا، وكان من الطبيعي الوصول إلى نقطة حرجة كما حدث في اجتماع الرياض، لأن الوظيفة التي عملت عليها انتهت عند أول لقاء جرى في جنيف، حيث أصبحت على المستوى نفسه من «وفد الهيئة العليا للتفاوض»، والانتقال إلى وظيفة جديدة أصبح يتطلب تمثيلا مختلفا ولا يعتمد على مبادرات تعود إلى ثلاث سنوات تقريبا.
– الثاني هو الاعتماد الدولي للتمثيل داخل هذه المنصات، فعندما تم توسيعها أصبح من الصعب على المبعوث الدولي إيجاد نقاط توافق، واتهمت بعض المنصات بأنها رديف للوفد الحكومي، وما حدث عملياً هو صراع سياسي على مستوى الدول الراعية لحصر التمثيل وفق الأدوار الإقليمية والدولية، وأثر هذا الأمر حتى في بنية «وفد الهيئة العليا للتفاوض»، ومع الدخول في المرحلة الجديدة فإن المنصات تبدو أكثر ضعفا حتى في مسألة تأمين مصالح الدول الراعية وعلى الأخص السعودية ودول الخليج.
كان واضحاً من انعقاد أول لقاء في أستانا أن هناك آلية مختلفة لتعويض الخلل في التفاوض السياسي، فلقاءات العاصمة الكازاخية جمعت القوى الفاعلة على الأرض لتخلق اتفاقات عسكرية تعوض عن عدم القدرة على التوصل لتفاهمات سياسية، وبدأت مرحلة مختلفة في عمر الأزمة السورية التي سحبت من جميع الوفود، زمام المبادرة ووضعتها في مكان آخر؛ ما أدى عملياً لتغيير المعادلة داخل الأزمة السورية، فمفاوضات أستانا بغض النظر عن الكثير من الإخفاقات في تثبيت وقف إطلاق النار، أوجدت خللاً في عملية التمثيل السياسي، ووضعت وفد «الهيئة العليا للتفاوض» أمام استحقاق حقيقي في تعديل مشروعه ليتوافق مع الوضع العسكري الجديد.
النهاية الحقيقية لأزمة التوافق السياسي لم تبدأ بعد، وليس معروفا تماما خطة دي ميستورا في إعادة ترميم العملية السياسية، فخلل التمثيل لا يعني بالضرورة إعادة تشكيل الوفود المفاوضة؛ إنما قدرتها على الانسجام مع الواقع الإقليمي المختلف كليا عن مرحلة بداية التفاوض، وفي لقاء الرياض اتضح أن أحد الأطراف غير قادر على الخروج من طروحاته القديمة، وهو ما سيحمل مستقبلا احتمالات خطرة على مستوى العملية السياسية بأكملها، وربما يؤدي لتأخيرها أو حتى إفراغها من محتواها الحقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن