قضايا وآراء

حول عودة بعض المعارضين: «الانفلات من المنطق»

| عامر نعيم الياس 

شكّل ملف عودة بعض المعارضين إلى سورية، سواء عبر الإعلان عن الأمر، أم عبر موجة الشائعات التي تأسست على ما سبق، مادةً للجدل والنقاش في الأوساط السورية على اختلاف مستوياتها، بين من يؤيد بالمطلق لهذه الخطوة، والسماح بالعودة من دون قيد أو شرط على اعتبار أن البلاد تتسع لجميع أبنائها، وأن الكل يحصد نتيجة ما فعله بعد عودته، وبين من يرى أن الأمر يجب أن يكون مبرمجاً ومضبوطاً ضمن قواعد مرنة لكن صارمة.
الإجماع بين الفريقين السابقين تمحور حول نقطة أساسية كانت السبب في اشتعال النقاش بينهما وهي «طريقة الاستقبال»، أي الشكل، فلا يجوز تكرار ما جرى مع اللاعب السوري فراس الخطيب، وقاعات الشرف ليست مخصصة لمن جمع تبرعات على الهواء مباشرة أسهمت في تدمير البنى التحتية للبلاد واستشهاد العشرات تحت لافتة «الحرب الأهلية»، تلك اللافتة أو هذا العنوان الذي سيكون له حيثية أساسية في سياق عكس ما يجري على الواقع السوري، أو حتى طريقة تفكير المجتمع الدولي والغايات من عنونة ما جرى إلى سورية بأنه حرب أهلية.
هذا النوع من الحروب، وبالتعريف، يستند على تبرير القتل وانفلات الحروب الأهلية من أي منطق أو قانون وعدم خضوعها لاتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان، ومع استمرار العمل إعلامياً في المعسكر المعادي لسورية بهذا التوصيف، تتضح أداة الضغط على البلاد والحلفاء وتجيير الرأي العام في البلاد وخارجها لتبني تعاطف مطلق مع الجميع على اعتبار أن ما جرى هو قتال أهلي، وبالتالي فإن النتائج في مرحلة ما بعد الحرب تتجه إلى احتواء أمراء الحرب وسياسييها ونخبها المثقفة التي أمنت الغطاء الأخلاقي والدولي للقتل، وتحويلهم إلى زعماء سياسيين لهم دور وكلمة في تحديد مستقبل البلاد والعباد.
يزيد على ذلك روبرت كابلان في الحديث عن هذا النوع من الحروب الجديدة وبتوصيفه لمن يشارك بها قائلاً في وصف حروب القارة الأفريقية إنها «أفعال إجرامية تتم ممارستها من قطاع طرق وجنود محرومين من الحقوق ومراهقين مشاغبين، وأطفال مجندين يتعاطون المخدرات».
اللافت أن الانقسام في سورية حول المصالحات مع المسلحين، لم يكن بالقوة التي أثارتها عودة بعض الشخصيات الاجتماعية أو الاقتصادية أو حتى تلك الرياضية والفنية المحسوبة على المشاهير، حيث من الواضح أن الرأي العام بات مقتنعاً بجدوى المصالحات مع المسلحين في بعض المناطق حقناً للدماء، ولتجنيب المناطق الدمار، فضلاً عن إعادة توجيه البندقية في تلك المناطق، وهذا أمر لا يشمل المشاهير والسياسيين من الراغبين بالعودة، أو حتى النخب المثقفة والفنية التي لا تملك تمثيلاً على الأرض، بل ادّعت هذا التمثيل وألبسها الغرب إياه أملاً باستخدامها في إدارة البلاد بعد تغيير هويتها وكيانها وعلمها ونشيدها الوطني، وهنا يجب الاعتراف بأن ما كان يخطط للبلاد ليس «تغيير نظام الحكم» فيها، بل نسف الدولة والكيان السوري، وهذا تجلى منذ البداية بحيثية «تغيير العلم» وهو يعتبر من أحد أهم رموز الدولة وأحد ثوابتها الكيانية، وهو أمر يرمز إلى الطريقة التي سيتم التعامل بها في مرحلة ما بعد نجاح الحرب مع من يؤيد الكيان السابق.
مرّت البلاد بتجرية قاسية لم تنته بعد، وبالتالي فإنه من المفروض مراعاة مشاعر من بقي في البلاد وقاتل ودافع وتحمّل بالدرجة الأولى، وإعلان البعض التوبة يندرج في سياق الانتهازية السياسية وقراءة موازين القوى بعد نجاحات الميدان، وتغيّرات الموقف الدولي، وليس عن قناعة أو حتى اعتراف بخطأ الخيارات التي اتخذها البعض. ربما قاعات الشرف كانت لتفتح قبل العام 2014 وليس في العام 2017 وهذا يفرض مراعاة شكل الاستقبال، فمن يريد العودة هو مواطن سوري لا أكثر ولا أقل ولا يجوز إعطاء الأمور أكثر من حجمها، هذا أولاً. وثانياً: بعض الشخصيات لا يمكن أن يعود إلى البلاد فهو تورط بشكل لا يمكن معه التسامح، ولا يمكن بحجة «حضن الوطن» أن يسمح بعودة من دعا علناً حلف الناتو إلى احتلال دمشق، وطلب الديمقراطية من المنابر القطرية والسعودية.
العودة إلى البلاد شيء، وتحويل القتلة من حملة الأفكار وحملة السلاح إلى زعماء سياسيين شيء آخر مختلف، هناك من خرج من البلاد تحت ضغط الواقع الاجتماعي المعيشي، ومن خرج تحت ضغط إرهاب المجموعات المسلحة، وهناك من تبنى موقفاً فكرياً يعارض بعض الظواهر انطلاقاً من رؤية معينة للواقع في البلاد أو تأثراً بمواقف بعض السياسيين أو المشاهير، أو استناداً إلى تضليل سياسي وإعلامي كان له أثر لا يجب إنكاره، لكن التمييز بين الأمرين ضروري وفتح الأبواب على مصراعيها والاحتفال بالبعض هو أمر مرفوض، فالذي فرض التغيير هو الميدان والدماء التي بذلت من أجل ذلك، وتحمّل من بقي في الداخل لضغط اقتصادي ومتغيّرات اجتماعية وظروف خدمية قاهرة لا تراعي في بعض الأحيان أدنى متطلبات الكرامة الإنسانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن