اقتصاد

الناطق الأردني.. وحرب المعابر

| علي محمود هاشم

رغم ما يشيعه كل انفراج جديد في العلاقات الاقتصادية في المنطقة من أحاسيس بالسلام القادم، إلا أن الزمن، والظروف الموضوعية، بما فيها الاستقطاب التاريخي الشديد الذي تعتمل تشابكات المصالح العالمية شرق المتوسط، إنما يدفع عنوة للتشكك بكل همسة طارئة في فضائه. هذه القاعدة تنسحب تماماً على إعلان افتتاح معبر طريبيل الحدودي العراقي الأردني أمس.
الإستراتيجية الأنغلوساكسونية التي يمثلها النظام الأميركي العميق بجذوره البريطانيا، لا يمكن لها أن تنام على توقها التاريخي لربط المنطقة بخيوط مسرح عرائسها، النظام الأردني، لسان حال بريطانية، ومخفرها الصحراوي المتبرعم عن نظيره على شواطئ المتوسط، ورغم الأنفاس التصالحية التي أوحتها الجمل الملتبسة و«المصححة» لوزير إعلامه قبل يومين، جازماً بأن افتتاح المعابر مع سورية رهن بسيطرة الجيش العربي السوري، دون غيره، على المناطق الحدودية، فإنها، ولدى إضافتها إلى قبّان هجمات «الموت ولا المذلة» المحمومة التي شنها تنظيم القاعدة قبل شهرين لإبعاد الجيش عن نقطة الصفر الحدودية في المنشية جنوب درعا، كآخر مواقع البنى التحتية القابلة للاستعمال كممرات حدودية، إنما يعيد إنتاج حديث الناطق الأردني، مشفوعاً برزمة من الشكوك.
وفق الأهداف والنتائج، بما فيها كمية «المذلة» القليلة التي تجنبها تتنظيم القاعدة عبر تلك المعارك، يتبدى الهدف الحقيقي لمعركته على أنها ترتيب بريطاني لحماية النظام الأردني من الانزلاق إلى حقل اختبار نيات لما قاله أمس الأوّل، إذ إن وصول الجيش إلى معبر الجمرك القديم جنوب المنشية، كان ليوقع النظام الأردني في «خانة يك»، ولكان لذلك أن يحرج ما كان له أن ينطق به.
خريطة الممرات البرية السورية شرقاً وجنوباً، ما زالت عالقة في شباك خريطة محكمة، فالجمرك القديم في المنشية جنوب درعا ومعبر نصيب الدولي رهينتين بأيدي البريطانيين والأميركيين وعملائهما جنوبي سورية، أما المعابر اللاشرعية في ريفي السويداء درعا الآيلة للاعتماد كممرات، فتحتاج إلى قرارات وإجراءات على الجانب الأردني، وهذا أدعى للتشيكك في النيات، لأنه يودع قرار اعتمادها المحتمل كمعابر حدودية بين أيدي من يقف خلف المملكة، وللمصادفة، هو ذاته من يقبض على مفاتيح معبري نصيب والمنشية: الغرب وحثالاته.
يعلم الأردن تماماً حجم تضرر اقتصاده بانقطاعه الجغرافي عن سورية، فمعبر طريبيل، الذي تقوم عناقيد متسلسلة من مرتزقة جيش «بلاك ووتر» على حماية نحو 200 كم في أهم مقاطعه العراقية، لا يبرّد جراحه الاقتصادية ما لم يكن في الأمر سيناريوهات مخفية قد تمتد بطرقها إلى شواطئ المتوسط، وإلى سيناء جنوباً، وهذا له ما يقفل الجغرافية السورية خارج فضاء طريق الحرير، تتلاقى هذه الشكوك، مع استيطان القوات البريطانية والأميركية مع عملائهم في معبر التنف، واستمرار الجموح الأميركي بالمضي شمالاً إلى معبر البوكمال شرق دير الزور لقطع شرياننا التجاري الشرقي، وأيضاً مع المساعي التي تنسجها بعض المرجعيات الدينية العراقية العملية لبريطانيا مع حثالة آل سعود الملكية، إن حصل الأمر، فقد يكون حثالات «الثورة السورية» وعملاؤها نجحوا في إحدى مهامهم المنخرطة بتحييدنا عن شبكات التجارة العالمية للقرن القادم.
لربما حظيت حرب معابرنا الحدودية بـ«آستانا» خاص بها، وقد تكون جبهاتها طور التفكك وفق رؤى مصلحية متفق عليها بضمانة روسية أميركية ما استوجب جولة الناطق الأردني الأخيرة، إلا أن ذلك لا يكفي لإطفاء مشروعية الشكوك العميقة حيال تقلّص دور الجغرافية السورية، وسط حرب الهيمنة الغربية المحمومة على مضيق هرمز، ولا عن الصراع على مستقبل موانئ دبي، ولا عن حرب اليمن بموانئها وباب مندبها وقناة السويس ببدائلها المحتملة. كل ذلك، أدعى بروسيا وسورية للتشكك بلعاب الرأس البريطاني للنظام الأردني، هذا اللعاب المتناثر على كامل الجغرافيا التجارية للمنطقة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن