قضايا وآراء

ميليشيات أنقرة تستهدف قوات التحالف: تحول في التفاهمات

| مازن جبور

إشارات وتحذيرات من درجة الفعل لا القول ترسلها تركيا وميليشياتها المسلحة إلى واشنطن وحلفائها، حيث لم تكن أقاويل وأنباء إعلامية هذه المرة، بل مناوشات مباشرة بالسلاح الحي، تنم عن انزعاج تركي عارم من توجهات أميركا فيما يخص ملف الأزمة السورية عموماً والملف الكردي خصوصاً، ويضع عناوين لمرحلة قادمة في العلاقات الأميركية التركية من قبيل العين بالعين والسن بالسن، فتركيا لن تقبل أي تجاوزات لما تعتبره خطوطاً حمراء موضوعة من قبلها.
تهديدات أنقرة بالدخول إلى مدينة عفرين في شمال حلب التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية – قسد» تحولت إلى فعل في منبج، حيث أكد المتحدث باسم «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن رايان ديلون، أن ميليشيات مدعومة من تركيا أطلقت النار على قوات أميركية بالقرب من منبج الثلاثاء.
فعل من هذا القبيل ليس تصرفاً فردياً، وليس ناجماً عن قرار ذاتي لتلك الميليشيات التي لا تملك قرار أصلاً، وبالتأكيد جاء بإيعاز من سيدهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
رغم أن هذا الاشتباك ليس الأول من نوعه، إلا أن أردوغان أكد مراراً، أن على واشنطن أن تختار بين تركيا وبين دعمها للأكراد، في إشارة إلى دعم «التحالف الدولي» لـ«قسد»، ورغم وابل الوعيد والتهديد والتذمر والتنديد وغيرها من ردات الفعل التي أبدتها تركيا على علاقة واشنطن بالكرد، إلا أن التصرف الحالي يترك احتمالين رئيسيين:
الأول، أن تركيا أيقنت أنه لا مجال لفك الارتباط بين واشنطن والكرد، خصوصاً أن حسم معركة الرقة بات على الأبواب، في وقت لا يحرك أحد ساكنا لإيقاف السيطرة الممتدة لجبهة النصرة الإرهابية على كامل محافظة إدلب، بعد أن سيطرت على الأغلبية العظمى من المدينة مؤخراً، وبالتالي أرادت أن تنذر أميركا بالقول: إن كل الخيارات مفتوحة لدينا بما فيها الخيار الشمشومي وفق مبدأ «علي وعلى أعدائي».
أما الاحتمال الثاني، فإنه نوع من المهاترات التركية المعهودة، للضغط بهدف تحقيق مكاسب إضافية في الشمال السوري.
إن الأحداث المتتابعة خلال الفترة الماضية تعطي مدلولات، بأن الاحتمال الأول هو القائم لدى دائرة صنع القرار التركي، ذلك أنه بالإضافة إلى اقتراب «قسد» من السيطرة على كامل مدينة الرقة، فإن خطوات استفزازية متتالية قام بها الكرد في الفترة السابقة بدءاً من السعي إلى تحويل عفرين إلى إمارة كردية مستقلة بعد أن أدركوا أن الربط بين مقاطعات ما يسمى «الإدارة الذاتية» الثلاث: عفرين، عين العرب، الجزيرة، بات مستحيلاً، كما حددوا 20 الشهر القادم موعداً لإجراء انتخابات محلية تتبعها العام القادم سلسلة من الانتخابات، تشير إلى أن حلم الفيدرالية مازال يدغدغ الكرد، وما سبق تعتبره أنقرة تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي.
على صعيد آخر، حملت زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني محمد حسين باقري إلى تركيا مؤخراً اختلافاً نوعياً في حقبة العلاقات الإيرانية التركية الحديثة، حيث تعتبر الزيارة هي الأولى منذ عام 1979، ولعل أبرز ما نتج عنها الاتفاق على وضع آلية للحد من تطور الدور الكردي في المنطقة.
ورغم حدة التنافس في المنطقة ما بين تركيا وإيران، إلا أن التوافق بين الدولتين على أن هناك خطر مشترك يهدد مصالحهم القومية، وضع تلك الخلافات جانباً، حيث تنظر كل من طهران وأنقرة إلى الكرد في المنطقة على أنهم خطر أكبر بكثير من القضايا الأخرى، التي هي موضع خلاف وصراع في المنطقة.
وتخشى أنقرة وطهران من الطموح الكردي في المنطقة، وهذا يثير سؤالاً ملحاً هو: إلى أي مدى يقلق الوضع الكردي الدولتين حتى دفعهما الأمر إلى وضع كل الخلافات بينهما جانباً؟ وإن كان العداء الإيراني للكرد ليس بمستوى العداء التركي، إلا أن العداء الإيراني لأميركا كبير جداً لدرجة أنها تتحالف مع تركيا ضد الكرد إذا كان في ذلك إزعاج لواشنطن خاصة بعد وصول إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم في أميركا.
إن المؤشر الأبرز لبدء عودة التفاهمات الإيرانية التركية من خلال زيارة رئيس أركان الجيش الإيراني إلى أنقرة ولقائه بالمسؤولين الأتراك، أن هناك محاولات لتوحيد كل الجهود في معاداة الدور الكردي في المنطقة من قبل تركيا ومعاداة الدور الأميركي في الوقت ذاته من قبل إيران.
في الإطار السابق يمكن فهم الدخول الحالي لمجموعة من القوات الروسية إلى بلدة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، خصوصاً أن المساعي الروسية للدخول قائمة منذ النصف الأول من تموز الماضي، للتوصل لاتفاق حول نشر شرطة عسكرية روسية، بين مدينة مارع وبلدة دير جمال، على خطوط التماس بين القوات التركية والميليشيات المسلحة المدعومة منها من جهة والقوات الكردية من جهة أخرى.
فخط التماس ذاك يشهد بشكل متكرر عمليات قصف من قبل القوات التركية والميليشيات المدعومة منها، مع القرى والمناطق التي تسيطر عليها «قسد» بريف حلب الشمالي، وبالتزامن مع مواصلة تركيا لتحضيراتها العسكرية بمشاركة من الميليشيات المسلحة في ريف حلب، من أجل بدء عمل عسكري للسيطرة على المنطقة الممتدة من مارع إلى دير جمال.
ولا بد لجملة التغيرات السابقة أن تؤثر على التطورات الحالية في ملف الأزمة السورية، سواء محادثات جنيف أو اجتماعات أستانا، وقد يصل التأثير إلى التفاهمات الروسية الأميركية الأخيرة، خصوصاً إذا ما عادت أنقرة واستدارت باتجاه موسكو، وتلقفت موسكو الاستدارة لتوجه من خلالها صفعة إلى إدارة ترامب الذي وقع على العقوبات ضد روسيا مؤخراً.
قد تقود سلسلة الخلافات السابقة إلى تفاهم تركي روسي إيراني بالدخول إلى إدلب والقضاء على «النصرة» فيها من دون أي تنسيق مع الجانب الأميركي، كما أن التوافق السابق قد يسرع من تطبيق الشق الثاني من اتفاق البلدات الأربع: كفريا، الفوعة، مضايا، الزبداني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن