من دفتر الوطن

قانون الندم!

| عبد الفتاح العوض 

في هذه الزاوية أتحدث عن موضوع خلافي.. ما بين الآراء هوة واسعة وإن كان لكل رأي وجهة نظر تحمل جزءاً من الصح والحق.
المجتمع السوري منقسم بالآراء حول الموقف من النادمين «وطنياً» أو كما سميتهم سابقاً التائبين.. لكني أفضل هنا استخدام النادمين وهم الأشخاص الذين خرجوا من سورية اختيارا واتخذوا مواقف معارضة استثمروها في العمل مع جهات خارجية.
المواقف في المجتمع السوري مختلفة… وأبدأ من الرأي الأكثر شعبية الذي يقول هؤلاء ليسوا نادمين ولا تائبين بل خاسرون ومهزومون.
الشعار الذي يرفعه هؤلاء الأكثر شعبية «الأسى لا ينتسى» والأسى هنا دماء سالت وبيوت دمّرت وأوجاع ما زالت ساخنة.
أصحاب هذا الرأي يقولون إن اللـه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، وهؤلاء التائبون غرغروا وشبعوا غرغرة في خدمة استخبارات دول مقابل وظائف وهمية باعوا فيها ضميرهم في حسابات مصرفية!
الرأي الثاني يتلخص بأنه يجب عدم وضع كل المعارضين أو الذين خرجوا في سلة واحدة.. وأن البعض منهم فعلاً كان متورطاً في تجارة الموت، لكن آخرين اتخذوا مواقف، ومع الوقت تبين لهم أنها غير صحيحة ويرغبون في إصلاح ما تخرب.. كما أن البعض سار على حافة المعارضة لم يدخلها ولم يستفد منها، ومن ثم ليس من الإنصاف التعامل معهم جميعاً بالمقياس ذاته وإلباسهم الثوب ذاته. هنا – يقول أصحاب هذا الرأي– ثمة قانون يحاكم كلاً بما يتناسب مع فعله. ويتابع أصحاب هذا الرأي أن قسماً من المسلحين استفاد من التسويات وتم التعامل معه من جديد، ومن ثم يمكن اعتبار هؤلاء كما لو كانوا مسلحين، ويتم العفو عن القسم الذي يستحق العفو.

ثمة رأي آخر وأخير
فحوى هذا الرأي أن عقل الدول يحتمل الغفران… وأن الأزمات الكبرى لا بد أن تنتهي بالتسامح والمصالحة والتسامي على الآلام.
يؤيد هذا الرأي تجارب دول وأزمات أمم عاشت ماعشناه ومرت بما نمر به.. وارتقت فوق جراحها وتوصلت فيما توصلت له الى قوانين مصالحة وقوانين مسامحة وقوانين اعتراف.
فلا يمكن تضميد جرح الوطن إلا بالعفو والمسامحة والمصالحة.
في الحالة السورية – وهذا رأيي – نحتاج إلى قانون الندم… قانون يمنع تكرار التجارب القاتلة.
وأعجبتني مقولة للفيلسوف دريدا يصف فيها الصفح بأنه احتكاك مع المستحيل.
«الصفح ليس، ولا ينبغي أن يكون، طبيعياً ولا معيارياً، عليه أن يظل استثنائياً وخارقاً، في احتكاك مع المستحيل، ومعنى هذا أن الصفح يجب أن يعلن عن نفسه كما لو كان المستحيل ذاته».
وهنا وأنا أسميه قانون الندم… لأنه مع الندم اعتراف بالخطأ.. لأننا نريد أن يكون التسامح التزاماً قانونياً وأخلاقياً غايته الرئيسة النظر إلى المستقبل وليس العيش في الماضي.. نريد من سورية أن تقف فوق الماضي لا تحته..
نلسون مانديلا قال نعم للتسامح لا للنسيان… ربما نحن بحاجة للتسامح والنسيان معاً.

أقوال:
• الغاية في الحب ليس الحزن أو الفرح ولكن الحب.
• أن أندم على العفو خير من أن أندم على العقوبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن