ثقافة وفن

التحقيق الجنائي والطب الشرعي في بحث علمي للدكتورة قدسي … كيف استطاع المجرمون تطويع العلم لإخفاء أدلة جرائمهم

| سارة سلامة

الجريمة سلوك متجذر في المجتمع الإنساني منذ نشأته الأولى، والقضاء عليها بشكل كامل أمر مستحيل، لكن مكافحتها هو الهدف، ومهمة ضبط الجناة تبدأ أولاً بالبحث عن أدلة تدينهم، وعلى الرغم من تعدد الجرائم، فإن الجريمة التي تستهدف النفس البشرية تبقى الجريمة الأكثر بشاعة، ولحل المسائل الجنائية المتعلقة بهذه الجرائم، فإن العلوم القانونية تلتقي العلوم الطبية والبيولوجية، مولّدة ما يسمى الطب الشرعي.
والطب الشرعي علم واسع ومتشعب الفروع والمجالات، لأنه يلّم بكل ما يتعلق بجسم الإنسان وعقله، وعلى الرغم من كون الطب الشرعي ينتمي إلى العلوم الطبية المتخصصة، إلا أن ضرورات العمل في مجال التحقيق الجنائي والبحث عن الحقيقة، تتطلب من العاملين في مجال التحقيق الجنائي معرفة قواعد هذا العلم وأسسه، ما يؤدي إلى وجود الانسجام بين أعمال الطب الشرعي وأعمال رجال القانون.

وضمن هذا البحث اختارت الدكتورة بارعة القدسي كتابها الجديد الذي حمل عنوان «التحقيق الجنائي والطب الشرعي»، وصدر عن وزارة الثقافة-الهيئة السورية للكتاب ويقع في 158 صفحة من القطع الكبير، عبر موضوع غير مسبوق حيث إنه الكتاب السوري الأول الذي يتناول العلاقة بين التحقيق الجنائي والطب الشرعي، وتسعى مؤلفة الكتاب إلى الإحاطة بما هو مترابط بين الأمرين، وبما هو موصول بين مضامين عنوانين اندمجا في عنوان واحد من حيث وجود جسور قانونية وعلمية بين التحقيق الجنائي والطب الشرعي، لأنهما متشابكان ومترابطان، وإن كانت العلاقة بينهما ملتبسة بسبب انعدام التآلف القانوني السوري على الأقل، ويقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول: «التحقيق الجنائي، أدلة التحقيق الجنائي، الطب الشرعي».

التحقيق الجنائي
التحقيق الجنائي هو صراع بين المحقق والمجرم، فالأول يهدف للوصول إلى الحقيقة، والثاني يحاول طمس الحقيقة كي يفلت من العقاب، فالتحقيق بمعناه العام، هو اتخاذ جميع الإجراءات والوسائل المشروعة التي توصل إلى كشف الحقيقة، أما التحقيق الجنائي العلمي فهو علم يوضح للمحقق معالم الطريق ويرشده إلى كيفية السير والبحث عن الأدلة.
ويمكن القول إن التحقيق الجنائي العلمي هو علم متمم لقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، فقانون العقوبات يرشدنا إلى الطريق والوسائل التي يمكن بها إثبات أركان الجريمة، ويساعد في تحديد وصفها القانوني ويبين الوسائل التي تكشف عن الظروف المحيطة بكل جريمة والتي يكون من شأنها تخفيف أو تشديد العقوبة.
ويتضمن الفصل الأول «التحقيق الجنائي» ماهية علم التحقيق الجنائي وتطوره التاريخي في العصور القديمة والوسطى وعند العرب وفي العصور الحديثة. كما احتوى على تعريف التحقيق الجنائي حسب أنواعه: العملي، الفني، وأهداف التحقيق الجنائي كإثبات وقوع الجريمة ووقت وكيفية ارتكابها، وأسبابها ومعرفة مرتكبها، وذلك إضافة إلى الضمانات الواجب توافرها في التحقيق كتدوينه وسريته وسرعة إنجازه واحترام كرامة المتهمين وعدم جواز تعذيبهم.
ويتضمن باب «المحقق الجنائي» أشخاص التحقيق ومن يتولى سلطة هذا التحقيق، ومساعدي المحقق في التحري وجمع المعلومات، والعوامل المساعدة على نجاح المحقق الجنائي، ومن ثم خصائصه: كصفاته والعيوب الواجب تلافيها والعلوم التي تعينه في عمله.
ولا تعريف في القانون للمحقق الجنائي، ولكن يمكن تعريفه من خلال الدور المسند إليه في قانون أصول المحاكمات الجزائية، بأنه هو: «من أوكل إليه القانون التحقيق في الجرائم المرتكبة، أو المشتبه في ارتكابها، مع مقترفي هذه الجرائم، أو المشتبه في توريطهم فيها، ومع غيرهم من الأشخاص، وذلك بقصد جمع أدلتها، والوقوف على حقيقة ما حصل فيها، ومعرفة الأسباب والدوافع الكامنة وراءها، والظروف والملابسات التي أدت إليها وحصلت فيها، وذلك لتسهيل عمل المحكمة ومساعدتها عند لزوم المحاكمة، ومن خلال تمكينها من بسط يدها على الواقعة الجرمية كما حصلت فعلاً، وما أحاط بها من معطيات يعتد بها القانون، وبما يحقق ويخدم أهداف العدالة الجزائية».

أدلة التحقيق الجنائي

مع تطور الحياة وتقدمها، تطورت الجريمة وتطورت أساليب ارتكابها، واستطاع المجرم أن يطوع العلم من أجل ارتكاب جريمته وإخفاء الأدلة التي تكشف عنها، والتمكن من الهرب بسرعة من مسرح الجريمة ومحاولة إثبات وجوده في مكان آخر، لذلك كان لزاماً على القائمين بالتحقيق الجنائي أن يطوروا أساليب عملهم بما يساير التقدم العلمي حتى يتمكنوا من كشف جرائم المجرمين وملاحقتهم ويتفوقوا عليهم.
واحتوى الفصل الثاني من الكتاب الذي حمل عنوان «أدلة التحقيق الجنائي» على ماهية الأدلة: المقصود بها وأنواعها: المادية والمعنوية والآثار المادية وأهميتها في التحقيق والفرق بين الأثر المادي والدليل المادي، ودوره في التحقيق كمسرح الجريمة وأهميته وآثاره وأهميتها.

الطب الشرعي
وهو فرع من فروع الطب يختص بإيضاح المسائل الطبية التي تنظر أمام رجال القضاء، فهو ذلك الفرع من الطب الذي يطبق حقائق علم الطب على مقتضيات القانون، فالطب الشرعي يتميز عن الفروع الطبية الأخرى بوظيفته الأساسية الهادفة إلى خدمة العدالة والقانون، لذلك يمكن القول إنه فرعٌ بالغ الحيوية من فروع الطب لأنه يعزز العدالة في المجتمع، ويخضع الطب الشرعي بصورة خاصة للخصوصية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكل بلد، كما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام القانوني للبلد المعني، لذلك يعد الطب الشرعي من المواد الحديثة نسبياً، فهو فرع من فروع الطب المعتمدة، ويندرج ضمن أهم العلوم الجنائية التي تبحث عن الحقيقة بدءاً من مسرح الجريمة، الذي يعد الشاهد الصامت عليها، إلى الآثار المادية حيث يعد جزءاً لا يتجزأ من العملية القانونية، ففي بداية القرن الماضي، كانت القضايا الجنائية تقيد بحق مجهول لصعوبة الكشف عن الحقائق، إلا أنه بظهور تخصص الطب الشرعي أصبح بالإمكان اكتشاف الدليل المادي في أغلب القضايا، خاصة الجنائية منها.
ويتناول هذا الفصل تاريخ الطب الشرعي ونشأته، وماهيته وعلاقته بالقانون، وتعريفه ومجالاته ودوره، وتعريف الطبيب الشرعي ومهامه وكيفية اختياره، والعلاقة بين المحقق الجنائي والطبيب الشرعي، ومسرح الجريمة والفحص الطبي ودور الخبراء الفنيين والتوثيق الطبي، والوسائل المساعدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن