شؤون محلية

25 مليار ليرة يدفعها السوريون لصيانة سفنهم سنوياً تذهب إلى دول أخرى … السفن السورية تبحث عن هويتها.. من 350 سفينة سورية إلى 16 فقط!

قضية إشكالية تمتد فصولها لسنوات مضت تهرب فيها أصحاب القرار من مواجهة المشكلة والنتيجة هي هروب أسطول النقل البحري السوري الذي وصل بالعدد إلى 350 سفينة كانت ترفع العلم السوري واحتلت الترتيب الثالث في حوض المتوسط بعد أسطول اليونان وتركيا، إذ قام ملاك السفن بين عام 2001-2010 بشطبها من قيود المديرية العامة للموانئ السورية وتسجيلها تحت أعلام دول أجنبية(جورجيا-هندوراس- مالطا – بنما- جامايكا- كمبوديا –-سانت فينسنت – كوريا الديمقراطية – سيراليون).
اليوم يملك السوريون أكثر من 1000 سفينة مسجلة تحت أعلام دول أجنبية، وخلال السنوات العشر الأخيرة تفوق السوريون في امتلاك السفن حتى حققوا وبشهادة أهم مجلة ملاحية عالمية (Triad Wind) عام 2010 المرتبة الثانية في شراء السفن الكبيرة متقدمين على الصين، فما أسباب المشكلة بلسان ملاك السفن وماذا فعلت الجهات الرسمية لتعيد رفع العلم السوري على تلك السفن؟
ارتفاع الرسوم
تسجيل السفن تحت العلم السوري بدأ منذ عام 1969 وتفاوت بين سنة وأخرى حيث تزايد عدد السفن تدريجياً ليصل تسجيل السفن إلى الذروة عام 1993 وبلغ 39 سفينة و37 سفينة عام 1996 وكان هناك زيادة واضحة في نمو الأسطول السوري في النصف الأول من الألفية الثانية ووصل عدد السفن المسجلة تحت العلم السوري عام 2001 إلى 22 سفينة وعام 2004 إلى 15 سفينة فقط وفي الضفة المقابلة فإن المخططات البيانية تظهر تزايداً في عدد السفن المشطوبة ليبلغ ذروته عام 2008 بـ42 ثم تناقص إلى 20 سفينة عام 2009 و16 سفينة عام 2010، ويعزو تقرير صادر عن المديرية العامة للموانئ السبب الرئيسي وراء عزوف السفن عن التسجيل تحت العلم السوري إلى ارتفاع الرسوم المفروضة على السفن ولاسيما الرسوم التي تستوفيها الوزارات الأخرى مثل طابع العقد وغيره.

أولاد الكار
يقول نديم الفحل مشغل سفن إن سبب تراجع عدد سفن الأسطول خلال الأعوام الماضية الإهمال من الحكومة وخاصة ما يتعلق بإجراءات تسجيل السفينة وشطبها حيث لا تزال هذه الإجراءات معقدة وتحتاج إلى معاملات طويلة وأوراق كثيرة وموافقات من عدة جهات كما لا تزال المديرية العامة للجمارك تعتبر السفينة سلعة تجارية تخضع للربح عند البيع ومما زاد من المشكلة هو إخضاع السفن إلى ضريبة الدخل على الأرباح الحقيقية حسب القانون 24 لعام 2003 وتعديلاته بالقانون 60 لعام 2004، ‏فحسب القانون مهنة النقل البحري تخضع إلى ضريبة الدخل على الأرباح الحقيقية وهذا يعني أنه على كل سفينة مسك سجلات وقيود محاسبية تظهر الإيرادات والنفقات خلال العام وتقديم بيانات خطية من مالك السفينة إلى الدوائر المالية، وهذا مستحيل لأن أسعار النقل البحري غير ثابتة وكثيرا ما تتعرض الحمولات للحوادث الطارئة التي تكلف مبالغ باهظة قد تفوق أجور النقل كما أن اجور صيانة السفن مرتفعة أيضاً يضاف إلى ذلك وجود النفقات غير المعلنة مثل الإكراميات التي تدفع من الربان إلى سلطات الموانىء بهدف سرعة التحميل أو التفريغ وأيضاً صعوبة تأمين كادر محاسبي في كل سفينة وبعد السفينة عن الرقابة المباشرة سواء من مالكها أم مراقبي الضرائب المالية وبالمقابل هنالك صعوبة كبيرة تصل إلى حد الاستحالة في عملية التحقق من دقة الأرقام المقدمة للدوائر المالية وخاصة ما يتعلق بالنفقات حيث يستطيع ربان السفينة تقديم فواتير من أي ميناء عالمي بأعمال الصيانة تظهر السفينة خاسرة على مدار العام وخاصة من موانئ الدول النامية ولا يستطيع أي مراقب للضرائب التأكد من صحة أو عدم صحة هذه الفواتير.
بينما يرى الخبير البحري بدر الجندي أن السبب الجوهري في تراجع وهروب السفن من مظلة العلم السوري، لا يعود إلى الظروف الراهنة وإنما إلى الإدارات المتعاقبة التي تتحمل مسؤولية ذلك التراجع، فالأسباب الجوهرية لذلك التناقص في عدد السفن المسجّلة تحت العلم السوري، والمتمثّلة بعدم توافر الخبرات البحرية الفنية والإدارية القادرة على تقدير أوضاع السفن ومنح الشهادات البحرية الخاصة بالأعمال البحرية، إضافة إلى انعدام الخدمات المقدّمة الفنية كالصيانات وغيرها من الخدمات الأخرى المقدمة في المرافئ، فضلاً عن عدم وجود أحواض إصلاح في سورية، وعدم السماح بإنشاء ورشات للصيانة الإسعافية، ناهيكم بجملة من الإجراءات التعقيدية الموضوعة من الجهات الوصائية والمستندة إلى قرارات مبنيّة على مراسيم تعود إلى عقد الخمسينيات، إلى جانب التعقيدات الموجودة في القوانين الجمركية الخاصة بالعمل البحري.
وتحدث ملاك السفن عن موضوع حوض بناء وصيانة السفن حيث يملك السوريون 1000 باخرة تحتاج سنويا إلى (50) ألف دولار بالحد الأدنى صيانة يكون المبلغ نحو 25 مليار ليرة سورية سنويا يدفعها مواطنون سوريون تذهب إلى (مصر- لبنان- رومانيا – تركيا- اليونان).
المغترب السوري في رومانيا آمين حريشية يمتلك حوضاً لإصلاح السفن ترتيبه كشركة (16) في رومانيا ويقدم لخزينة الحكومة الرومانية (7) ملايين دولار كل عام، تساءل لماذا لا تكون هذه المبالغ للحكومة السورية؟ فالمطلوب حسب رأيه تسهيلات وتشجيع من الدولة وهم يقومون بما تبقى بالكامل.

تجديد الشهادة
يؤكد ملاك السفن أنه عندما تنتهي صلاحية الشهادات الخاصة بالسفينة التي ترفع العلم السوري ينبغي على السفينة أن تعود من أي مكان في العالم سواء كانت في أوروبا أم الشرق الأقصى إلى سورية لتجديد هذه الشهادات وهذا كان يعود بالخسائر على السفينة إلى جانب إعاقة خطة التشغيل الخاصة بها ومن هنا اتجه بعض ملاك السفن السوريين إلى رفع أعلام دول أخرى ومن هنا تراجع عدد الأسطول السوري، ويضاف لذلك أنه حتى في حال قدوم السفينة إلى سورية لتجديد الشهادات لا يسمح لها بالدخول فوراً وأحياناً تبقى يومين أو ثلاثة، فلماذا لا تنهى إجراءات فحص السفينة والشهادات خلال يوم واحد تسهيلا لعمل البواخر بدلا من تعطيلها لأربعة أو خمسة أيام.

فاكس وحوالة مالية
وزارة النقل قامت باتخاذ خطوات في هذا الاتجاه تمثلت بتعديل بعض فقرات القانون 27 لعام 2008، الخاص برسوم الترخيص وبناء السفن وتسجيلها ونقل ملكيتها وشطبها ورسوم الوصول والمغادرة والمنائر ورسوم رسو السفن.
لم تلق هذه الإجراءات أي صدى ايجابي لدى ملاك السفن لانعدام الثقة –حسب كلام من تواصلنا معهم -بالإجراءات الحكومية وبقاء موضوع الروتين والإجراءات الورقية والموافقات العديدة من عدة جهات وغيرها، على حين تحت علم الدولة الأجنبية يمكنك حل كل القضايا عن طريق الفاكس وحوالة مالية أينما كنت في الكرة الأرضية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن