ثقافة وفن

عدوى «السينما التجارية» تنتقل إلى الدراما … المخرجون يتعاملون مع الدراما على أنها مصدر رزق والكتّاب لم يدخلوا في فسيفساء المجتمع السوري

| وائل العدس

الدراما السورية قبل 2011 ليست كما بعدها، هي حقيقة يجب الاعتراف بها وإن كان على مضض، فالاعتراف بالمشكلة جزء أساسي من الحل، وبداية الطريق الصحيح نحو التطوير بعيداً عن الانتقاد الجارح الذي ينتهجه بعض صناع الدراما الذين نسوا أنهم كانوا ومازالوا أحد مفاصل هذه الصناعة الثقيلة.
لا يخفى على أحد، أن الدراما السورية تغلبت على نفسها وعلى الظروف المحيطة بها بسبب الحرب، وقد أثبتت علو كعبها وتفوقها في كثير من المراحل، لكنها في الوقت نفسه تشهد انحداراً على صعيدي الكم والنوع، وخاصة أنها تمتلك ضمنياً التأثير الأكبر في المجتمع وتبدو الأقدر على تغيير مفاهيم وقناعات الناس، وتحاكي مشاعرهم وتخاطب وجدانهم وذهنيتهم بعيداً عن المباشرة التي تعتمدها وسائل الإعلام في عملها.
الدراما مؤخراً لم تقدم أعمالاً مهمة إلا ما ندر بالعموم، فهي تعاني أزمة نصوص وكتّاب، وحتى الكتّاب الموجودون لا يملكون أي خلفية ثقافية حقيقية باستثناءات قليلة.
نمتلك قدرات وثروات وإمكانيات بشرية ومادية لكن ينقصنا التخطيط السليم والابتعاد عن التجاذبات التي تعوق تقدمنا.
والدراما السورية تحولت إلى عملية تجارية تخضع لميزان العرض والطلب فقط من دون النظر إلى معايير أخرى، لذا تخرج أحياناً عن مسارها وهدفها النبيل.

رصد الواقع

نناشد كتابنا أن يسلطوا الضوء على الواقع وأن يعالجوا في كتاباتهم سلبيات هذا الواقع وأن يحاولوا إبراز عواقب الاستخفاف بالقيم والأخلاق وخصوصاً في هذا الوقت الذي طغت فيه موجة التغريب التي أبعدت فئة لا بأس بها من المجتمع عن القيم ودفعتهم لتقليد النمط الغربي في الحياة كنوع من التقليد الأعمى.
خلال السنوات القليلة الماضية لم ترتق المعالجة التي طرحتها في كثير من النصوص إلى المستوى الاحترافي بل شابها الركاكة والعجز والتشتت وعدم التسلسل بخلق الأحداث.
مشكلة بعض الكتاب تكمن بطرح فكرته دون أن يعرف من أين يبدأ وكيف يختتم خطوطه، بل يتخبط في تقديم أحداث فارغة ومكررة بعيدة عن التخطيط والشكل العلمي.
مشكلة جديدة تكمن بظهور أسماء لا علاقة لها بالبناء الدرامي ولا الحرفة كلها، حتى إن كل من هب ودب بدأ يجرب الكتابة من دون معرفة لهذه الثقافة ومداها على المتلقي.
الكتابة الدرامية ليست بالسهلة لأنها تتضمن رؤية بعيدة المدى، وهي نبض القلب بتفكير العقل، وهذا الأمر صعب جداً.
لذا فإن المؤلفين بحاجة لأن يفهموا حياة الناس، فالدراما عبارة عن تجسيد لحياة الناس الداخلية وعلى الكتاب نقل هذه الأفكار بوعي تام، إضافة لتوفر عنصر التشويق ضمن النص.
الكاتب كان لديه إحساس بالمسؤولية، لأن الدراما هي المؤثر الأول، لذا فهو يعي مسؤوليته وذلك ما انعكس على قراءاته وثقافته، لكن أغلبية كتاب هذه المرحلة لم يدخلوا في فسيفساء المجتمع السوري.

مصدر رزق
ومن أبرز التفاصيل التي تحتاجها الدراما السورية وجود أشخاص في العملية الإنتاجية يمتلكون الخبرة والرؤية الثاقبة والنفس الفني الحقيقي لصناعة الدراما، كذلك تحتاج إلى آليات صحيحة وحقيقية في تنفيذ العمل.
أما مسؤولية النتيجة النهائية للعمل فتقع على المخرج، ولكن النسبة الأكبر من المخرجين باتوا يتعاملون مع العمل الدرامي على أنه مصدر رزق بغض النظر عن الرسالة التي يقدمها للمجتمع.

المجتمع السوري
عندما تفقد الدراما أخلاقها وقيمها الإنسانية التي أنشأت لأجلها أصلاً، فإنها بلا شك تؤدي إلى الإفلاس الثقافي والهبوط الاجتماعي وتدني في مستوى الحوار حتى يبدو حواراً بيزنطياً لا طائل منه.
لا يختلف اثنان على أن أهم وظائف الدراما تسليط الضوء على الواقع المعاش، لكن بعض الأعمال شوّهت المجتمع السوري وأظهرت الخيانة وكأنها ظاهرة اجتماعية دارجة، وأن الجنس الهاجس الأول والأوحد للناس دون التطرق أصلاً إلى مسوغاتها.
نلحظ هذا العام انتشار ظاهرة جديدة وخطيرة تتمثل بانتقال عدوى «السينما التجارية» إلى الدراما، فعوامل الجذب التي يخاطب بها صناع الفن السابع لحصد أكبر قدر من الأموال في شباك التذكر أصبحت تتوارد في التلفزيونات، بعيداً عن الأفكار الهادفة والبناءة.
لذا أصبح الحديث عن المحرمات أمراً يسيراً، ولتفرض مشاهد الإغراء والإيحاءات الجنسية على البيوت والعائلات بموضوعات سطحية ورغبات تافهة ونماذج مستهلكة واستغلال الجسد لأهداف ربحية واعتبار المرأة كائناً من الدرجة الثانية.. أو حتى العاشرة.
إضافة إلى ذلك استخدام ألفاظ ومشاهد تخدش الحياء بات أمراً اعتيادياً، بل أصبح هناك استثمار تجاري لمثل هذه الألفاظ التي فيها من الإباحية الكثير، وهناك تعمداً مسبقاً لاستخدامها بهدف اجتذاب قطاع أكبر من الجمهور، لكن الاستخدام المفرط لهذه الألفاظ في قد ينفر الناس ويؤدي إلى نتائج عكسية، فالبيت السوري والعربي محافظ بشكل عام.

مرحلة خطرة
إن الطفل في السنوات الست الأولى من عمره تستطيع أن تغرس فيه القيم، فهو عجينة سهلة التشكيل، والثالوث الأسرة والمدرسة والمجتمع كان المؤثر الأساسي فيه، لكن الآن أصبح التلفزيون هو المربي التعليمي الإلكتروني والأصل في غرس القيم.
إن أخطر مرحلة عمرية لدى الطفل هي من 7 إلى 11، فهو لا يميز، لذا يتقمص شخصية الأبطال ولا يفصل بين عالم الواقع والخيال فيقلد، لكن أعمالنا الدرامية تخفض من مستوى نموه العقلي، فتفكيره يكون جامداً، وتقتل العنصر الخيالي والإبداعي لدى الكثير من أطفالنا، خاصة بعدما أصبحت منتجاً ثقافياً يخضع لما تخضع له السلع التجارية، بعيداً عن التوازن ما بين الثقافة والتجارة.

استباحة
مشكلتنا بالعموم أننا غير قادرين على تشخيص المشكلة، ومن الضروري أن نقوم بذلك حتى نتمكن من حلها، والمشكلة الأكبر أن كل شيء أصبح مستباحاً.
لا يتمكن أي شخص من العمل بمهنة الطب إن لم يحصل على شهادة بمجاله، ولا يتمكن من العمل كميكانيكي إن لم يعمل لفترة طويلة كصانع كي يحصل على الخبرة، لكن في في الدراما السورية، يتمكن أي شخص من كتابة نص وبعدها يقدمه لشركة إنتاج كي تتبناه بموجب علاقاته الشخصية.
أيضاً أي شخص قادر على أن يصبح ممثلاً أو مخرجاً تبعاً لعلاقاته بغض النظر عن النتائج التي تقوم بكشف الحقيقة.
إذاً، ضمن مجتمعاتنا العربية أصبح كل شيء مستباحاً ومن حق كل شخص أن يستولي على كل شيء ويستبيحه ويتطفل عليه.
هناك قول «رحم اللـه امرأً عرف حده فوقف عنده»، لكن في مجتمعاتنا لا يوجد من يعرف حده ويقف عنده، فبإمكان أي شخص أن يتطفل على مهنة الكتابة، وكذلك الأمر على باقي المهن كالتمثيل والإخراج وغيرها، فنحن نستبيح كل شيء وليس لدينا مفهوم الاختصاص ونفتقر له حتى في مؤسساتنا، ومن أكبر الأخطاء التي نرتكبها هو توظيف شخص بمكان لا يتناسب مع دراسته أو اختصاصه، فهو بالنتيجة يقدم على التخريب والفساد وليس العطاء والإنجاز.

الرقابة
للرقابة دور مفصلي في ضبط الفوضى الدرامية من خلال فرض معايير أخلاقية تفرض على النصوص، وعدم تمرير أي فكرة تسيء لمجتمعنا، وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها.
ففي كل عام، يأخذ الجانب الرقابي حيزاً كبيراً من حديث الإعلام، وخاصة الرقابة الفكرية بعيداً عن المحرمات الثلاث، فلماذا لا تتم التوصية على إنشاء لجنة عليا للتقييم الفكري والفني والهندسي في القطاع الخاص والعام؟ تكون مهامها بالدرجة الأولى وضع خطة مستقبلية بما يتوافق مع سياسة الدولة وتطور المجتمع، على أن تتبدل بشكل دوري.
وهناك مطالبة بإعادة هيكلة آلية الرقابة بحيث نحتكم لفكر رقابي مؤسساتي وليس لمزاجية الرقيب، وتتولى لجنة التقييم الفكري ذاتها مشاهدة الأعمال المنتجة وتقدير قيمتها الفنية، والتركيز على إيجاد آلية موحدة جديدة للتقييم بحيث يتمكن الكاتب من مناقشة اللجنة في مرحلة تقييم النص والمخرج في مرحلة تقييم المشاهدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن