اقتصاد

سؤال (#الربوة)؟!

| علي محمود هاشم

هل شعرت الحكومة بما ضرب أسواق العيد من تمنع عضلي؟ وهل تناهت إلى مسامعها أنات المتاجر القفراء؟ وهل تتكبد الجرأة لاستيضاح خلاصات مراكز تسوق المستلزمات المدرسية في (السورية للتجارة) بعدما أصابتها عدوى الجيوب المتعبة تراجعاً كبيراً في المبيعات؟ هذا الجو العابق بتدني الطلب، لهو وصفة ناجعة لاستيلاد أزمات متجددة في الإنتاج والاستهلاك والتجارة.
خلال الحرب، لطالما تردد ما يمكن تسميته بـ(سؤال الربوة)، هذه المنطقة التي ترتصف على جانبي واديها غرب دمشق عشرات المطاعم نصف الفخمة، يقطن في محيطها، ويتنقل عبر كورنيشها الجميل، ذوو الأجور المتدنية نحو أحزمة فقرهم فيما حناجرهم تكتم السؤال: من أين يأتي روادها بما يكفي؟
تحت (الربوة)، النموذج الكاذب للقدرة الشرائية للجالسين إلى كراسي مطاعمها، يختبئ انكماش يظلل أسواق السلع الأساسية مومياً بسبابته إلى تراجع حادّ في الطلب الأوسع للعاملين بأجر من المارة عبر كورنيشها، المحرومين من كراسيها، هنا بالذات، تتلخص مشكلتنا، فشريحة جالسي (الربوة) المحدودة، ورغم تردّيه العميق – شاقولياً وأفقياً- بفعل الحرب، لن يمكنها تعويض الحاجة إلى استهلاك مارّتها للإنتاج القائم!
في أيام مضت، كان الانكماش المرتكز إلى قدرة شرائية محدودة، سياسة فاعلة لتقليص خسائر الاقتصاد، ومع الأيام، تعمشقت الحكومة به كحبل نجاة مجاني لتصحيح ماليتها على حساب محرومي (الكراسي) دون التنغيص على شاغليها، هذه السياسة السهلة، أحالت الانكماش تراجعاً متزايد الحدة في الطلب، حتى للسلع الغذائية و(المدرسية)؟
اليوم، مع فك الحصار عن دير الزور وانطلاق أول شحنة برّية نحو العراق إلى جانب تحسن مؤشرات استخراج الثروات الباطنية في الساحل والقلمون، وكذا تنشط الإنتاج (كما تجزم الحكومة)؛ بات علينا التعاطي مع بدعة «الحمد لله أننا ما زلنا ندفع الرواتب» كماض كئيب، فبغض النظر عن دقتها، وعن نظرتها الدونية إلى مغازي الاقتصاد السياسي، فهي تشي بأننا جميعنا سنبقى عاطلين من العمل -بما فينا الحكومة- حتى إشعار آخر!
لزيادة الرواتب مخاطره التضخمية، هذا التبرير المقبول من الحكومة، يتركنا أمام خيارات محدودة لتحسين قدرة الأجور كإعادة دراسة سعر الليرة أمام الدولار وضبط التوازع المنفلت للأرباح عبر الرقابة الصارمة على هوامش المنتجين والمستوردين، بما يعيد الاستهلاك داعماً لنمو الإنتاج، لا عبئاً عليه.
لكن للأسف، فكلا الأمرين معلق بتطلعات الحكومة الخاطئة نحو دعم الإنتاج والاستثمار بالحفاظ على «اليد العاملة الرخيصة»، إلا أن شراء الطائرات والعبارات لدعم تنافسية منتجاتنا سعرياً في الأسواق التصديرية -على أهميته- إنما يؤكد أن رخص العمالة لم يكن محفزاً كافياً للنمو أو التعافي، وأن التعويل عليه لتشجيع الاستثمار عبر خفض التكاليف الثابتة، لهي نظرة تتطلب التدقيق، فلربما يقيض لذلك أن يحدث فرقاً إبان توسع قاعدة الإنتاج وترعرعه، لكنه اليوم مجرد سبب لترعرع القهر، وبقاء الواقفين بلا كراسي على حالهم!
على الأغلب، لن تتمكن الحكومة من شراء أساطيل بحرية وجوية لامتصاص الفوائض المتزايدة في إنتاجنا المحلي خارجاً، ولأنها كذلك، فقد حان الوقت للمضي نحو تقليص شريحة المستهلكين العجزة دخلاً، ولا سبيل إلى ذلك سوى بدراسة جدية لتحسين قدرة الأجور وضبط تضاربها مع التنمية الاقتصادية التي تنشدها، ذلك أن سياسة «قط من خشب يصطاد ما يأكل» الدارجة منذ سنوات باتت خطراً على الاقتصاد الوطني، لأن القط الصائم عبء، ولا يصطاد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن